عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
previous arrow
next arrow

ماذا يريد كيري فلسطينيا؟!

لم ينشغل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري منذ تسلمه لمنصبه بملف قدر انشغاله بالملف الفلسطيني، ربما إلى جانب السوري، فها هو يجلس أياما في المنطقة في جولة هي الخامسة خلال شهور.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا يتعلق بالهدف الحقيقي من وراء جولات كيري، وهل تعبر عن سياسة أمريكية، أو هي استجابة لحاجات الكيان الصهيوني؟ والجواب أن جولة أوباما الأفريقية هي الأكثر تعبيرا عن توجهات الإدارة الأمريكية خلال المرحلة المقبلة، ممثلة في حصار الصعود الصيني، فيما لا تعدو تدخلات واشنطن الشرق أوسطية أن تكون استجابة لحاجات الكيان الصهيوني الذي يضغط اللوبي التابع له في أمريكا لكي يبقى أمنه أولوية بالنسبة لأية إدارة مهما كانت هويتها. وإذا تحدثنا عن التدخل في الملف السوري، فهو يدخل في ذات الإطار المتعلق بمصالح تل أبيب، في ذات الوقت الذي يبدو نوعا من المناكفة مع روسيا التي أخذت ترفع رأسها متحدية النفوذ الأمريكي أيضا، وتتعاون بهذا القدر أو ذاك مع الصين في تكريس التمرد على الأحادية الأمريكية التي أصبحت جزءا من الماضي من الناحية العملية.

في الملف الفلسطيني يدرك كيري، ومعه أصغر مستجد في السياسة أن إمكانية الشروع في مفاوضات تؤدي إلى تحقيق اتفاق نهائي هي ضرب من الخيال، فلا الطرف الإسرائيلي يملك القابلية لتقديم عرض مقبول، ولا الطرف الفلسطيني يملك قابلية للموافقة على عرض بائس تم رفض ما هو أفضل منه في كامب ديفيد عام 2000.

من يقرأ وثائق التفاوض الشهيرة وما انطوت عليه من تنازلات مذهلة، ومع ذلك رفضها ثنائي أولمرت- ليفني، سيتأكد دون شك أن مسألة الاتفاق النهائي هي ضرب من المستحيل، وهو ما يدركه كيري ونتنياهو، بل ومحمود عباس أيضا، ويبدو أن الجميع قد أخذوا يتواطؤون على حل واحد ووحيد ليس ثمة سواه في الأفق هو الحل المؤقت الذي يحظى بإجماع في الأوساط الإسرائيلية، فيما تقبل به السلطة وتعززه على الأرض؛ من دون أن تعترف بذلك علنا.

الهدف الأساس من كل هذه التحركات السياسية هي إبقاء الأمل مفتوحا بتحقيق تقدم ما، وذلك خشية انفجار الشارع الفلسطيني في انتفاضة جديدة تصعب السيطرة عليها، وهي انتفاضة لا تستبعدها دوائر إسرائيلية كثيرة، وهي تبذل كل جهد ممكن من أجل منعها، فيما تتفق معها دون ترد قيادة السلطة الفلسطينية التي ترى فيها خطرا وجوديا يتهدد إنجازاتها في السلطة/ الدولة في الضفة الغربية.

والنتيجة أن كلا الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني لهما مصلحة في استمرار الإيحاء بإمكانية الحل، وذلك منعا لحدوث ما لا تحمد عقباه ممثلا في الانتفاضة الجديدة التي لا يمكن الجزم بمنعها في ظل استمرار الاستيطان والتهويد، وفي هذا السياق يتواصل التنسيق الأمني، والاعتقالات اليومية من السلطة والاحتلال في آن، وكذلك إعادة تشكيل الوعي في الضفة الغربية عبر الاستثمار والمال والأعمال، مع السيطرة على كل المنافذ التي يمكن أن يتسلسل منها فكر المقاومة. كل ذلك يمضي من أجل أن لا تندلع تلك الانتفاضة، حتى لو كانت سلمية على غرار الربيع العربي.

ربما يأمل كيري في أن يعيد الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى طاولة المفاوضات كجزء من تلك الخطة، أي منع اندلاع الانتفاضة، لكن نتنياهو يريد ذلك بشروطه، وهو ما يجعل الأمر صعبا، لكن التغلب على هذه المعضلة ليس مستبعدا في يوم ما، ليس من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي، وإنما من أجل استكمال مشروع الدولة المؤقتة في حدود الجدار، والتي ستغدو في حالة نزاع حدودي مع جارتها، من دون أن يضطر قادتها إلى القول إنهم تنازلون عن ثوابتهم، وسيكون من الجيد الاحتفال لاحقا بتطوير وضع تلك الدولة من عضو مراقب في الأمم المتحدة إلى عضو دائم في احتفالية مهيبة!!

ما سيفشل هذه اللعبة هو الشعب الفلسطيني، عبر انتفاضته الجديدة، والتي ستندلع يوما ما ردا على الاستيطان والتهويد، وربما لاحقا كرد على تكريس الدولة المؤقتة في حدود الجدار؛ والتي تعني دفن القضية دون إعلان رسمي، فما يجري، وما سيجري لن يكون مقبولا من شعب عظيم قاتل عقودا من أجل حريته وتحرير أرضه.