عملية تصنيع
بالمناسبة، أنا من عشاق القطط، وقطتنا ميمي لا يحلو لها الا النوم على كرشي الرحب، كضمير قاض مرتش، ولا تنسى أن تسهمد مكانها بأظافرها وتقوم بتنجيد الفانيللا مجانا، قبل النوم. لكن صديقي رمزي خوري قاطعني منذ ثلاث سنوات ، لأنه مصاب بحساية مفرطة إزاء القطط ، تجعله يعطس بكثافة وتحمر عيونه ، كلما اقترب من منطقة الحظر الجوي لبيتنا.
ومن ذات الناحية تقريبا، فقد أعلنت شركة أميركية عن توصل الباحثين فيها إلى إنتاج أول قطة في العالم لا تسبب حساسية للإنسان، وقالت: إنها أنتجت أعدادا من هذه الأنواع تباع القطة الواحدة ب7500 جنيها إسترلينيا. وتقول الشركة بأن هذه التقنية تحل مشكلة الملايين ممن يعانون من الأكزيما والحساسية جراء التعامل مع القطط العادية (خلقة الله). وتعمل الشركة حاليا على إنتاج قطط منتوفة وراثيا(من دون شعر) حتى يتم اجتثاث الحساسية من جذورها.
المشكلة ليست في كمن مليون إنسان يعانون من الحساسية من القطط فمعظمهم لا يحب القطط أصلا. لكن هكذا ابتكارات خطيرة جدا جدا جدا، رغم طابعها الإعلاني التسويقي الربحي ، لا بل أن للموضوع فلسفة أكبر خطرا بكثير.
أنها فلسفة جديدة نشأت في أوروبا وترعرعت في أمريكا يسمونها (الداروينية الاجتماعية ) ، تعتمد على تعميم النتائج التي توصل إليها تشارلز دارون ، ونشرها في كتابه أصل الأنواع ، تعميمها عن طريق تحويلها من مجرد شرح لما يجري في الطبيعة بشكل طبيعي وعفوي من انتخاب طبيعي عن طريق الصراع والبقاء للأقوى والأصلح والقادر على التكيف أكثر، إلى انتخاب صناعي لا ينتظر فعل الطبيعة، بل يقوم بتصنيع كائنات قادرة على التكيف معنا واستبعاد الكائنات الأخرى.
صدقوني لن تبقى الأمور مقتصرة على القطط الكلاب والسحالي، لا بل ان القصة بدأت بطريقة معكوسة ، إذْ تعلم الأميركان على الداروينية الاجتماعية عن طريق تصنيع الحكام الذين يناسبون السياسة الأميركية في كل مناطق العالم.
الخطوة التالية هي تصنيع شعوب لا تجعل الأميركان يعانون من الحساسية ، وقد شرعوا فيها في الكثير من البلدان العربية وغيرها ، لكن يبدو ان النتائج الأولية لا تبشر بالخير بالنسبة للأمريكان، وبما تكون الحساسية بالنسبة لهم أخف بكثير عليهم وأقل ضررا من مضاعفات محاولة تصنيع شعوب تعشق الأميركان.!!
تصنيع الزعماء سهل … لكن تصنيع الشعوب مستحيل حتى الآن على الأقل .
ghishan@gmail.com