تسريب..
مؤلمٌ ومحزنٌ ومقلقٌ ما آل إليه امتحان “التوجيهي” من تآكل وتشظي وانفلات ،هذا الامتحان الذي كان لسنوات قليلة ماضية “ماركة مسجّلة” تحسب للأردن في الوطن العربي ، ومفخرة ونقطة تميّز وتباهٍ لكل من يحمل هذه الشهادة ..الاّ أن هناك محاولات للإجهاز عليه مع سبق الإصرار والتقصّد لكي يفقد هذا الامتحان مصداقيته وأهميته وتميّزه عن باقي امتحانات المنطقة..
والمؤلم والمحزن والمقلق أكثر ، انه كلما قدم رئيس حكومة و”دقّ على صدره” متعهداً أن يعيد للامتحان هيبته..كلما فقدت السيطرة أكثر وأصبحت الأمور “شوربة” عن سابقاتها من السنين..وبرغم وجود الأدلّة وعرض نسخ من الأسئلة المزوّرة على صفحات المواقع والصحف إلا أن وزارة التربية والتعليم مصرّة على النفي المطلق، ومصرّة على عدم الاعتراف بالخطأ..مع انه ألأولى بها أن تسارع الى الحلول لكي تنقذ ما يمكن إنقاذه في الوقت الضائع..
**
نعرف انه منذ ان وجدَ الامتحان في الدنيا وجد معه الغشّ، لكن من غير الممكن ان يستخدم الطلبة أحدث وسائل التكنولوجيا في الغش وتسريب الأسئلة بالتعاون مع بعض مافيات التعليم..بينما التربية لم تطوّر أسلوب المراقبة ولا الضبط منذ “حرب التنك”.. فلم تكافح التكنولوجيا بالتكنولوجيا ..ولم تغلظّ العقوبات على المراقبين ومدراء القاعات..بل بقيت مشغولة بالبحث عن طريقة للنفي و”الترقيع” لكي تبيّض وجهها أمام الإعلام والأهالي..فلولا تواطؤ بعض المراقبين لما تم إدخال أجهزة الخلوية والسماعات الخفية ، و لما دخلت الأسئلة من الشبابيك ومع أكواب الماء في أيادي الآذنة والمراسلين و”مرّاقين الطريق” ولا عن طريق التلقين في سماعات الأذن، ولولا تواطؤ بعض العاملين في أقسام الامتحانات لما تسرّبت الأسئلة قبل الامتحان بساعة او ساعتين او حتى يوم..المصيبة ان السيطرة على الامتحان والحفاظ على سرية الأسئلة ليس معجزة او اختراعاً ذريّاً..كل ما في الأمر أن يتم ضبط قاعات الامتحان واختيار رئيس قسم الامتحانات ومن يعبث بنزاهة هذه الشهادة..أحقّ أن يحوّل الى محكمة امن الدولة…ثم ..يسألونك لماذا تعارض “المفاعل النووي” إذا أسئلة امتحان التوجيهي لم يسيطروا على “تسريبها” كيف سيسطروا على تسريب أشعة النووي..؟؟؟..
**
و لمعالي الوزير الذي أصرّ وأصرّ على النفي القاطع بتسريب الأسئلة أو سلامة الامتحان اريد ان اروي له مشاهدتين حصلتا بأم عيني:
قبل عشرة ايام تقريباً..وفي اليوم الأول من امتحان الثانوية العامة للفصل الثاني ،بعد بدء الامتحان بعشرة دقائق كانت السيارات تقف امام احدى المكتبات ينزل منها شباناً صغاراً يأخذون أوراقاً ويغادرون بسرعة..دخلت المكتبة سألت عن الأوراق التي يتخاطفها الشباب فكانت عبارة عن أجوبة الامتحان الذي بدأ قبل دقائق ، حيث كانت تباع كل 3 صفحات بنصف دينار..
المشاهدة الثانية: اعترف لي احد أولياء أمور الطلبة ، قائلاً إن ابنه قد حصل على معدّل 94 % في الفصل الأول..وهو بالكاد يستطيع القراءة!! لم اصدّق الرّجل..فنادى على ابنه وطلب منه ان يقرأ اول سطر من إعلان مطبوع فقرأه بصعوبة بالغة ..سألته كيف نجح اذن؟ قال أن ابنه اشترى ساعة ثمنها 120 ديناراً تقوم بتصوير الأسئلة وإرسالها ، ثم تأتيه الإجابات محلولة….ثم أنهى الرجل الصريح كلامه مش حرام؟؟؟.طبعاً انا أسأل وزير التربية والتعليم “مش حرام” أن يصل طالب لا يقرأ ولا يكتب الى التوجيهي ويحرز هذا المعدّل المرتفع؟؟…
أقسم أنه محزنٌ ومحزنٌ ومحزنٌ ما وصلت إليه الأمور ..لأن وطننا يستحقّ منا أفضل من ذلك ..والله حرام أن نضيّع ما أنجزناه من سمعة طيبة وكفاءة في كل العقود الماضية بتراخٍ وعدم مسؤولية من كل الاطراف..والله حرام ان يصبح “القاري” و”الكاري” واحد!!!..
آآآآآآآآآآآخ بس…غطيني يا كرمة العلي بشهادة “مترك”..
احمد حسن الزعبي