قبل ما تروح علينا
بالعكس أنا متفائل، متفائل بقوى الشعب الحية ، وبقدرتها على اجتراح المستحيل من أجل الخروج من مستنقع الهزيمة الآسن. أنا متفائل بقدرة الناس على تجاوز الخلافات المذهبية السخيفة التي تمت إعادة استنساخها وتوزيعها على كافة انحاء العالم العربي الكبير . لكن هذا التفاؤل مشروط بالوصول الى مرحلة الوعي بالمشكلة ، الوعي الذي يورد الإرادة وليس القنوط. ومن أجل الوصول الى هذه الدرجة من الوعي ، فإن علينا أن ندرك تماما.
أن ندرك تماما، أننا في جميع أنحاء العالم العربي ، بلا استثناء، نعاني من انهيار تام وكامل وأكبر بكثير من الانهيار الذي كنا نعاني منه عشية الخامس من حزيران عام 1967, لا بل إننا كنا نمتلك ارادة القتال آنذاك، وكنا على استعداد كبير لتضحية في سيل التحرير، وكنا متفقين على ذلك جميعا ، جميعا ، من قوميين واشتراكيين ودينيين ويساريين ومتدينين وملحدين وبرجوازيين وعمال وعاطلين عن العمل …. كنا جميعا ..حكومات وشعوبا، وإن كانت الشعوب اكثر صدقا وطهارة .
الان، ماذا اقول لكم ، فأنتم تعرفون أكثر مني : سوريا والعراق ومصر والأردن والسعودية ، دول الموجهة ..أضعف بكثير مما كانت عليه عشية الخامس من حزيران ، أضعف ،ليس بمعني أن الأسلحة أقل عددا وعدة ، لا بل لأن الواقع متهتك فيها ، والتفكك يفتك بها، والصدأ يعلو جميع البراغي ، والجماهير مرتبكة ومفككة ، وعاجزة عن الفعل الحقيقي …لا داعي لتطويل الشرح ، فقد نزّت الدمعة من عيني .
في مقابل ذلك ، فإن العدو الصهيوني صار أقوى استراتيجيا وعسكريا –بفضلنا طبعا- ويمتلك علاقات استراتيجية وتكتيكية مع الكثير من دول العالم ، اكثر بكثير مما كانت لديه عشية الخامس من حزيران.
ارجو من كل من يعتقد عكس ما قلت أن يراجع مصادره ، فأنا أعرفها جميعا ، وهي انتصارات وهمية أو اعلانية واعلامية ، وهي اضعف بكثير من أن تؤثر على ميزان المعركة في الميدان مباشرة.
هل نحتاج الى هزيمة اخرى بحجم هزيمة حزيران ، حتى نصحو مثل المضبوع الذي يرتطم راسه بصخر المغارة؟.
أما أننا نستطيع – اذا عرفنا واقعنا- أن نبحث عن ادوات الرفع والوحدة، من اجل صنع الإرداة الفاعلة القادرة على الشروع في النهوض ؟.
هذا ما علينا أن نقرره جميعا ..قبل ما تروح علينا.
ghishan@gmail.com