عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
previous arrow
next arrow

الأكثر مظلومية

بعد المطار،تدخل عالماً آخر،آلاف الدونمات ممتدة على ميمنة الطريق وميسرته،بلا مشاريع ولا بنيان ولا زرع،والطريق الى الطفيلة طويلة لكنها تشي بالكثير،وتروي لك قصة مدن الجنوب عموماً.

اكثر من مائتي كيلومتر من عمان الى الطفيلة،والطريق الصحراوي،بات في أسوأ حالاته،ويتسبب بمشاكل كثيرة للسيارات،خصوصاً،ميمنة الطريق،التي ابتليت بالحفر وسوء التعبيد وقلة الصيانة،وكأنك تسيرعلى طريق طويلة من المطبات،وهي مطبات لم تمنع دوريات الشرطة من الوقوف طول الطريق،والتأكد من وثائق المارين،فواجب المخالفات هنا لا يتراجع!.

اللافت للانتباه ان مداخل مدن مثل الكرك والطفيلة والتي تأتي على ميمنة الطريق ُمعّبدة بشكل ممتاز،وهذه المدن غائبة فعلياً عن التغطية،ومدفونة خلف الطريق الصحراوي،وتعاني من مشاكل اقتصادية وتنموية كثيرة.

في الطفيلة حكاية،فأغلب شباب المدينة يبحثون عن فرص عمل خارجها،ويغادرونها الى عمان،ومن يحصل على وظيفة في القطاع العام بشقيه المدني والعسكري،ينجو نسبياً من الحياة الصعبة،وغير ذلك يجلس بلا عمل في المدينة،التي لا توفر اي فرص عمل جيدة،ولا تتجه اليها رؤوس الاموال،ولا مشاريع الحكومات.

الجامعة في الطفيلة انعشت المدينة جزئياً،غير انها لم تحقق كل مهمتها،لأن ارسال الطلبة اليها،من عمان واربد والزرقاء ومحافظات اخرى،لا يتم الا بشكل نادر،مما يجعل دورها التنموي ناقصاً،لانها تحولت الى مؤسسة تشغيل محلية مديونة،بدلا من اثرها التنموي.

لو تأملنا تجربة جامعة اليرموك،لاكتشفنا ان احد اسباب انعاشها لاربد يعود الى تحول الجامعة الى نقطة استقطاب للطلبة من كل المملكة،ومن العالمين العربي والاسلامي،مما ادى الى مجاراة هذا التدفق البشري بالبنيان والمطاعم والمكتبات والخدمات.

بعض المشاريع في محافظة الطفيلة باتت تتخلى عن موظفيها،فبدلا من استمرارها بتلك الاعداد التي كانت فيها،باتت تتلخص من الموظفين،لأسباب اقتصادية،وهذا يقول اننا بدلا من انعاش المكان،نتركه ليتراجع تدريجياً،وسط صمت وتخاذل.

الدولة هي المُشغل الاساس،غير انها وصلت الى مرحلة اغلقت فيها ابواب التشغيل،فيما القطاع الخاص يعاني اليوم من ترهله ومصاعبه وخسائره،هذا فوق محاذيره التي لا يعلنها،إذ تسأله لماذا لا يذهب الى محافظات الجنوب لإقامة مشاريع مختلفة؟!.

لا يمكن ترك محافظات الجنوب،عموماً،والطفيلة من بينها،مدفونة خلف الطريق الصحراوي،وقد قيل الف مرة،ان الحل يكون بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية،وهذه العدالة لن تتأتى الا بإنعاش هذه المناطق،ومنح اهلها فرصة للحياة الكريمة،لا اشباعهم بالشعارات،ولا عبر تعويضهم بالاصلاح السياسي الذي لا يمكن نقع قوانينه،وشرب مائها عوضاً عن الحقوق الاساسية.

مناطق الاغوار الجنوبية،ومعها محافظات الجنوب ووادي عربة،عبارة عن حزام سكاني اجتماعي،في وجه الاحتلال الاسرائيلي القريب من تلك المناطق،وكان الاصل ان لا يبقى هذا الحزام ضعيفاً هشاً مفتوحاً بهذه الطريقة.

هذا يؤشرعلى مساوئ التخطيط المتوارثة من حكومة الى حكومة،حتى بات الواقع سلبياً،ونراه ايضا في محافظات الشمال المنكوبة بضغط الهجرات،ومعها عمان ايضاً التي باتت فقيرة والعيش فيها صعب،فوق مافيها من ضنك وغلاء.

القصة لا تعني التذاكي وشق الجنوب باعتباره جناح الدولة الاكثر مظلومية،في سياق تقسيم البلد جهوياً،واللعب على النعرات،لكنها حقيقة جلية كالشمس،يزداد اشعاعها هذه الايام بفعل الفقر،ومشاعر الناس بغياب العدالة وتفشي الفساد.

ادارة العلاقة مع الناس،عبر التطمينات لتجاوز حساسيات المرحلة لم يعد نافعاً،ولا بد من التفاتة عميقة الى الطفيلة ومدن الجنوب،من باب تثبيتها اجتماعياً واقتصادياً،لا تركها هشة،وترك اهلها ليهاجروا فرادى وجماعات،عبر الطريق الصحراوي الى عمان التي لم تعد تطعم لا سمناً ولا عسلا .