حيّ على الجهاد
اصدرت عشرات المنظمات الاسلامية في القاهرة بياناً دعت فيه للجهاد في سورية،ورجال الدين ُيوّظفون الدين في صراع سياسي دولي،سيؤدي الى حرق المنطقة،وهذا توظيف ديني بتنا نراه من كل رجال الدين.
هو اذن صراع العمائم،البيضاء والسوداء،فالمنظمات الاسلامية تتناسى فلسطين اليوم،وتعتبر ان الجهاد في سورية اولا،وهذا تجديد لفكرة الجهاد في اي ميدان عدا فلسطين،من افغانستان الى العراق مروراً بسورية هذه الايام.
هذا توظيف مؤسف للدين،لان المعركة في سورية،ليست دينية،لكننا نشهد تورط رجال الدين في صبغ المعركة بصبغة دينية،مابين مكونات المنطقة التي لم تقتتل اساساً،على اساس ديني،وهذه تغطية دينية مجانية يوفرها بعض علمائنا لعواصم دولية،معادية اساساً للدين!.
لاتعرف كيف يتم التغرير بالناس،واقناعهم ان الجهاد يكون في سورية،واذ تطل علينا العمائم من القاهرة،لمنح مباركتها للمحرقة في سورية،وتتعامى عن كونها هنا تدخل طرفاً شريكاً في صراع تصطف فيه كل اجهزة العالم الامنية،من الموساد الى السي اي ايه،مروراً بالمخابرات الفرنسية والايرانية والتركية وغيرها من اجهزة عربية وغربية؟!.
في المحصلة تنقسم العمائم،وينقسم الناس،وتنشطر المنطقة،بعد ان تم التمكن من تقديم نسخ متعددة من الدين،كلها تبرر لكل طرف،افعاله،ومشروعية قتاله،فيما الخاسر هو المنطقة واهلها.
يراد تصغيرالقصة السورية،باعتبارها صراعاً بين النظام والثوار،ولااحد يريد ان يعترف ان كل القصة تتعلق بتدمير سورية الشعب والبنى الاقتصادية والاجتماعية،وهتك كل جوار الاحتلال الاسرائيلي،وتدمير المنطقة،ومد الصراع الى بقية الدول.
خطابات نصر الله اثارت ردود فعل،غير اننا نلحظ كيف يتم توظيف الخطابات،من اجل التحريض المذهبي،ووصف حزب الله بحزب الشيطان،وتطوع اثرياء عرب لدفع الملايين لقتل نصر الله،ولم نسمعهم سابقاً يدفعون ربع هذه المبالغ لقتل عسكري اسرائيلي واحد،فكيف ينتخون للمذهب،ولاينتخون في وجه الاحتلالات؟!.
لااحد يقبل قتل الناس في سورية،ولااحد ايضاً يقبل بهذه الجرائم التي نراها ميدانياً،لكننا نقرأ بكل بساطة رواية واحدة للحدث السوري،والكل يريد تقديم روايته الخاصة،ولااحد يتطلع الى مجمل المشهد وخلاصاته من حيث تدمير سورية،والمنطقة وتلوين الصراع بلون ديني بين ابناء منطقة واحدة،يتم شقها اليوم طولياً وعرضياً،واغراقها في صراع ديني ومذهبي.
علماء القاهرة يقولون حي على الجهاد في سورية من اجل الوصول الى الجنة،وعلماء المعسكر الاخر،يقولون حي على الجهاد في سورية ايضاً من اجل الوصول الى الجنة،وكل مانخشاه،هو ان تذهب كل المنطقة واهلها الى جهنم الحمراء.
توظيف الدين في صراع دولي امني لاعادة رسم المنطقة،توظيف مرعب،لان الاقتتال على السماء،اباح كل شيء على الارض،ومشروعية الداعين للجهاد في سورية،من القاهرة،منقوصة،فقد كان الاولى السعي بكل الوسائل لاطفاء الفتنة،لا اشعالها باسم الله.
هذا توظيف يخدم اسرائيل،لاننا لم نسمع تحريضاً على الجهاد في فلسطين،ولان علماؤنا تذكروا المذهب السني فجأة،وتناسوا الاحتلال الاسرائيلي،وهاهم يختمون بخاتمة ليس فيها مسك ولاعنبر،اذ يصير الجهاد في سورية،باباً من ابواب الجنة،وقد كان الاولى تطهير دولهم من دنس السياسات والفواحش والاحتلالات المبطنة،مادام الجهاد يؤرق وجدانهم.
لاتعرف كيف يتمكن البعض من تصنيع الفتوى التي تغطي موقفاً امنياً و سياسياً،بهذه البساطة،اذ يصبح لكل دولة المفتي الخاص بها،ولكل تنظيم من يفتي له،ولكل مذهب من يفتي له،ولكل صراع من يفتي لاحد اجنحته،وهكذا يتم الاضرار بالدين؟!.
المنطقة ذاهبة الى حرب اقليمية كبرى،تخدم اسرائيل اولا واخيراً،فيما يأتي بعضنا لعنونة الحرب،باعتبارها دينية مباركة،تقوم على اساس التطهر من مكونات المنطقة الاخرى،وهو تطهّر غير مقدس،لان الثمن سيتم دفعه من ارواحنا وحياتنا وانسجامنا التاريخي.
لاترى امة من الامم تنتحر بهذه الطريقة غيرنا،بعد ان استل كل واحد فينا خنجره لطعن الاخر،فيما يقتتل الناس،اعتقاداً منهم انهم يرضون الله عز وجل،لكنهم سيكتشفون لاحقاً انهم كانوا مجرد احجار صغيرة على رقعة شطرنج العالم في لعبة اعادة رسم المنطقة.