حزام أسود..جداً!!
لم يكن أولاد حارتنا الفقراء يغارون منه وحسب، بل كانوا يكرهون مشيته المتعالية بين البيوت، وهو يرتدي بدلته البيضاء الفضفاضة التي يتوسطها حزام أصفر، ماضياً في طريقه صوب مركز اللياقة والتدريب، ولأن شعره الناعم الطويل كان يقرّبه من المواصفات الكورية، لم يكن يجرؤ أي منا على مواجهته أو استفزازه في حينها.
بصراحة سبب الغيرة وربما الكره لذلك الفتى الأنيق، حسد «طفولي» ليس إلا، فهو المقتدر الوحيد على دفع أقساط المركز الشهرية، بسبب وضعه المالي المرتاح، في الوقت الذي لم يكن يجرؤ أي منا أن يطلب من السلطة التنفيذية في البيت دفع ثمن «علك نعنع».
المهم مرّت الشهور وصديقنا المغرور -أبو التايكواندو- صار يبدل الأحزمة، فخلع الأصفر وتقلّد الأخضر لينفش صدره أكثر ويبدأ يمشي مرحاً مبعداً ذراعيه عن جسمه 20 سم، ثم بعد شهور خلع الأخضر ولبس الأحمر، وازداد غروره غروراً وأنفة، عندما خلع الأحمر وتقلّد الأزرق، وصار كلما مرّ بالحي يتنحنح كإشارة خفية منه إلى صبيان الحي أن يخلوا له الطريق، أو يكفّوا أرجلهم الممدودة أمامه، ولأن الفتى كان يدفع الأقساط على وقتها مضافاً إليها بعض الهدايا العينية للكابتن، لبس الحزام البني في وقت قياسي، وعندها رفع صدره للأمام، وأبعد ذراعيه عن جسمه نصف متر من اليمين، ونصف متر من الشمال، وبدأ يمشي بتثاقل وبطء أكثر من ذي قبل، ويرمق المارين والواقفين بنظرات احتقار واستصغار.
لكن «وهرة» الحزام البني لم تدم طويلاً، فقد وقعت مشاجرة بين صديقنا صاحب الأحزمة المرخّصة والفتى المعثر «مصطفى فغاغا»، الذي كان يعمل آنذاك في «معمل طوب»، وكانت الصاعقة، بعد أن سمعنا فترة قصيرة كلمات التنبيه والتخويف من الصبي صاحب الحزام البني: زياااااااع.. يو يا.. ياااااع.. يع.. تشو.. تشيس.. حتى فوجئ جميع الواقفين كيف هوى «التايكواندو مان» بضربة واحدة من «مستر فغاغا»، وكيف جلس الأخير على بطنه وأشبعه لكماً وعضّاً وشتماً حتى تحوّلت بدلته كلها إلى اللون البني وليس حزامه فقط، ولولا كلمات التوسّل والرجاء والبحث عن صلة قربى بينه وبين «فغاغا»، التي أطلقها صبي التايكواندو، لكان «الكوري المزيّف»، أول شهيد لهذه اللعبة، بعد تلك الواقعة الغريبة عرفنا قاعدة ذهبية جديدة في «الدفاع عن النفس»، وهي: ليس مهماً على الإطلاق لون الحزام أو تمثيل الحركات، بل المهم ما تحت الحزام من قوة قلب.
الذي ذكرني بهذه القصة، أن السيد أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، حصل على الحزام الأسود -الشرفي- في التايكواندو، أخيراً، طبعاً حصوله على هذا الحزام جاء من دون أن يرفع رجلاً أو يلوي ذراعاً أو «يشقلب» خصماً أو يكسر حتى حبة بسكويت، ولذلك لا أستبعد أن يكون مصيره مثل مصير صاحبنا السابق، في أول مواجهة دولية تحتاج إلى قوة حزمه ولون «حزامه»، سينبطح أرضاً، ويعلن استسلامه.
مستر بان كي مون ما فائدة حزامك الأسود هذا، إذا لم تستطع إيقاف حزام الدم الأحمر، الذي يلف خصر سورية منذ سنتين وأكثر؟!