” ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب “
وكالة الناس – كتب – د. عصام الغزاوي – تعلمت من والدي الشئ الكثير مما لم أتعلَّمه خلال سنوات دراستي الجامعية، رغم انه “رحمه الله” لم يلتحق بأية جامعة أو كلية ولم يحصل على أية شهادة جامعية، فقد كان حاله كحال رجال ذاك الزمان الذين تعلموا الحكمة في جامعة “المجالس” والتي كانت بالنسبة لَّهُم بما يجري فيها من حكايا وتبادل للأحاديث المكان الوحيد المختص بالتزويد المعرفي والأخلاقي بما يتوافق مع اعرافنا وعاداتنا المجتمعية فأصبح جيلهم مدرسة في العادات العربية الأصيلة وأهمها الكرم والشهامة . ورغم ما مر فيه ذاك الجيل من مخاضات وأحداث جسام إلا انهم حافظوا على تلك اللّحمة في الجسد الواحد، إنها ذات اللحمة والحس الوطني والأخلاقي التي توارثناها عنهم بعد ان غادروا الحياة بأجسادهم لنورثها بدورنا لأجيال المستقبل، لقد علمونا كيف تكون العلاقات فيما بينهم والتي تجلّت فيها اسمى المعاني في الحب والوفاء، فالجار للجار وإكرام الضيف والنخوة والمروءة والعونة هي مباديء علاقاتهم الاجتماعية، علمونا ان العفو يسبق السيف .. والحلم يغلب الثورة .. والتسامح يطفئ لهيب الغضب .. والعفو و الصفح عند المقدرة .. تلك المفردات والمفاهيم الاجتماعية وغيرها الكثير التي غرسها الأباء والأجداد فينا منذ ذاك الزمان ، هي من ارقى وأسمى الخبرات، نَمت فأصبحت عادة سرت فينا مسرى الدم في العروق .. ننتظر اليوم من عشيرة الشياب بعد ان توجهت الى مضافتهم في بلدة الصريح ليلة أمس وفود شعبية تمثل كافة عشائر وأطياف المجتمع الاردني لمشاركتهم أحزانهم وتهدئة النفوس موقفاً في التسامح والعفو وكظم الغيظ يسمو على كل الألم والحزن الذي أصابهم وأصاب الاردنيين وذلك إكراما لله وحفاظا على اللحمة الوطنية ليكون موقفا مكملاً لما تعلمناه من مواقف الآباء والأجداد بالصفح والمسامحة، وترك القانون ليأخذ مجراه في محاسبة كل من تثبت مشاركته في هذه الجريمة البشعة بعدالة وبيد من حديد، هذه عادات عشائرنا الأردنية الأصيلة في الطيب والجود والشهامة عسى ان يكون بهذا الصفح والتسامُح شفاعة ورحمة وعفو وجنات نعيم للفقيد عند ربه وأملاً في شفاء المصابين . عندها نشعر حقا بأن هذا الوطن ما زال بألف خير، تكلله تلاحم ونخوة أهله الطيبين، وتجاوزهم عن كل ما يعكر صفو روابطهم الأخوية وسلمهم المجتمعي . د. عصام الغزاوي.