يوم في مركز أمن البيادر *
ليوم الجمعة، نهاية الأسبوع، هاتف المنزل “يرن”..على الطرف الآخر، ضابط من مركز أمن البيادر يُعلمنا بأنهم عثروا على السيدة السيريلانكية التي استحضرناها قبل عام، بعد ثمانية أشهر من اختفائها (هربها) من المنزل، وهي التي بالكاد أتمت الأشهر الأربعة من عقدها الممتد لعامين.
أسارع بالذهاب إلى المركز الأمني، مصطحباً كل ما يلزم من الأوراق الثبوتية..يسألني الضابط المختص، عمّا يجول في خاطرنا، وهل نريد استردادها أم إنهاء عقدها..أطلب لقاءها لمعرفة أسباب هروبها، وما الذي حصل طيلة فترة غيابها، وأين عملت وسكنت وكيف تدبرت معاشها..ننتقل إلى “النظارة” في سجن الجويدة، وبعد حديث مقتضب معها، تصرح بأنها تريد العمل “بارت تايم”، وتفضل السكن مع صديقاتها، أما الأجر فعرضة لنظرية السوق وقانون “العرض والطلب”..لقد اتفقت مع صديقة لها في “حارتنا”، هربت السيدتان في توقيت متزامن تقريباً، سكنتا في جبل النظيف، وبدأتا البحث عن عمل بنظام “المياومة”.
في مكتب الضابط المختص، الذي يتحول إلى خلية نحل، طيلة أيام الأسبوع، تستمع لقصص وحكايات أغرب من الخيال..مواطن يشتكي: لقد دفع ثلاثة آلاف دينار ولم تمكث “عاملة المنزل” لديه أكثر من يوم واحد (أعلى أجر عن عمل يدوي في العالم)..وثانية لم تعرف أن “خادمتها” حامل إلا بعد أن وضعت طفلها في “الحمام”..رجل دين رافق “خادمته” إلى المطار في رحلة “تسفيرها”، وما أن عاد إلى المنزل، حتى تلقى اتصالاً هاتفياً من شركة الطيران، بأنها لم تصعد إلى الطائرة..وخامس يحدثك عن هروب العاملة السيريلانكية من المطار مباشرة، بعد أن نجحت في الاختفاء عن أنظار “مُشغلها” الذي كان بانتظارها في صالة القادمين..قصص وحكايات لا نهاية لها.
ويزداد الطين بلّة، حين تبدأ الروايات تتوالى عن سرقات تسبق حالات الهرب أو ترافقها، وغالباً من دون أن يتمكن صاحب المنزل أو صاحبته، من استرداد مسروقاتهما، فضلاً عن عمليات التقاضي الطويلة والمضنية، التي تثقل كاهل المواطن وتستهلك وقته وجهده.
أما عن مكاتب الاستقدام، فحدث ولا حرج..بعضها تحّول إلى مصائد مغفلين، يقع ضحيتها أصحاب الحاجة الماسة لاستقدام عاملة منزل..بعضها الآخر شريك للعاملات بعملية الهرب والتهريب..تترك منزل “مخدومها” لتتلقفها الأيدي الماهرة في البحث عن فرص عمل (أي عمل؟!) بنظام المياومة المجزي مالياً، ودائما هناك “نسبة” و”سمسرة” و”عمولة” لهؤلاء، أما أمر الإقامة فمتروك للصدف وتصاريف الدهر، وربما لتسويات مع الكفيل القديم وعروض مجزية من الكفيل الجديد، الذي ما كان ليتطوع بتقديمها، لولا أن “الصفقة مجزية”.
من يحمي حقوق الأردنيين؟..سؤال غفلنا عن طرحه في حمأة الحديث عن حقوق “عاملات المنازل”؟..من يحمي الأردنيين من عمليات النصب والاحتيال، كاتب هذه السطور لديه قضيتان في المحاكم ضد مكاتب استقدام (من دون جدوى حتى الآن)..هل يعقل أن يدفع المواطن ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف دينار، نظير عمل لا يستمر لأيام أو أسابيع أو حتى أشهر قليلة في أحسن الأحوال؟.
ثم يأتيك من يطالبك بشراء تذكرة العودة للعاملة الهاربة، التي لا تعرف اسمها، ولم ترها سوى أيام أو أسابيع معدودات..فالقانون في صالحها وفي صالح مكاتب الاستقدام،أي قانون هذا؟!
نعرف أن بعض عاملات المنازل يتعرضن لمعاملة سيئة من مُشغليهن..تبدأ بـ”أكل” حقوقهم ولا تنتهي بالضرب والتحقير وشدة العمل وطول ساعاته..هذه الظاهرة يجب استئصالها قانونياً، وملاحقة كل من يتورط في جريمة الإساءة لهنّ..لكن ذلك، لا ينبغي أن يكون مبرراً لإغفال حقوق الأردنيين، ومثلما أن للعاملات في المنازل حقوقاً عمالية لا يجوز الانتقاص منها بحال من الأحوال، ويجب أن تتضمنها عقود الاستقدام الجديدة، فإن للمواطن الأردني حقوقاً يجب أن تُصان وتُحفظ، وعلى وزارة العمل أن تحرص على ذلك تمام الحرص، من خلال فرض “تأمينات” و”غرامات” رادعة لمكاتب الاستقدام (هنا وفي بلد المنشأ)، تجعل أصاحبها والقائمين عليها، مسؤولين أولاً وأخيراً عن أي إخلال بشروط العقد، الذي هو شريعة المتعاقدين، بما في ذلك التعويض عن الأضرار الناجمة عن هرب العاملات، وتذاكر العودة الخاصة بهن..وأن يُطارد -بلا هوادة- كل من يثبت تورطه وتواطؤه مع عمليات هرب وتهريب العاملات.
لا أحد يعرف أعداد العاملات الهاربات، ولا ماذا يفعلن، يقال إن العدد ناهز الخمسين ألف عاملة..وهناك “جيش” من رجال الأمن، لا هم لهم سوى ملاحقة هؤلاء النسوة وإعادتهن إلى منازلهن أو إبعادهن..هناك كلفة مالية وبشرية تقع على كاهل الأجهزة المختصة وهي تقوم بدورها مشكور، لكن أيادي منتسبيها مكبلة بقانون لا يحمي حقوق المواطنين الأردنيين..فهل تتحرك وزارة العمل سريعاً للإجابة عن تلك التساؤلات؟!