عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
previous arrow
next arrow

سطور من فقه الاستبداد! *

لو بقي عبدالرحمن الكواكبي حياً الى أيامنا لأضاف جزءاً آخر الى كتابه طبائع الاستبداد هو صنائع الاستبداد، فالنهضوي الحلبي الذي هرب الى مصر بسبب مطاردة العثمانيين لقي حتفه هناك، والأرجح انه مات مسموماً، لأنه ما ان أحس بالالم في احشائه حتى قال لابن أخيه سموني يا عبدالقادر!

فما كتب عن المُستبِد كثير ويفيض، لكن على حساب شيء آخر مسكوت عنه، هو ان المستبد وجد من البشر من يقبلون الاستبداد، ومنهم من يهلل له، وذلك على طريقة من فرعنك يا فرعون، غير هؤلاء الذين يستمرئون الذل ويضيقون ذرعاً وتنفساً من الحرية لأنها عبء وحمولة شاقة، لهذا كتب اريك فروم كتابه الشهير عن الخوف من الحرية وبالتالي الهروب منها، لأنها تختبر آدمية البشر ومدى قابليتهم لتحمل المسؤولية في اختيار المواقف!

وقبل مئة عام كتب لوبون عن سايكولوجيا الجماهير، وقابليتها للتلاعب بالعواطف، حين يتغلب القلب على العقل، لهذا قد تسهل قيادتها حتى لو كان الطريق الى حتفها ثم تكون الصحوة لكن بعد الأوان.

طبائع الاستبداد تحدث عنها الكواكبي باسهاب، وجعل للاستبداد سلالة وأحفاداً وأبناء عمومة وخؤولة، لكن صنائع الاستبداد وهم في صلب الفقه الذي يسوّغ الظاهرة، هم الأخطر، فالمستبد أو الديكتاتور لا يولد مريضاً بجنون العظمة ووهم العصمة لكن من يتحلقون حوله لاسترضائه يزينون له حتى الرذائل، ويحترفون الدفاع عن اخطائه وتبريرها بل الافراط في مديحها لهذا فهو ضحية هؤلاء بقدر ما هو جلاد لآخرين، ولا ادري لماذا يعفي الناس انفسهم من الاسهام في صناعة الاستبداد، أو فرعنة الفراعين، فلولا الصمت والامتثال وأخيراً الخضوع لما أوغل المستبدون حتى النهاية.

في عصر الكواكبي أي في القرن التاسع عشر لم يكن الاستبداد قد تحول الى فقه له وعاظه والضليعون في التبشير بخيراته وفضائله، لهذا كان من السهل على الكواكبي والكوكبة التي عاصرته من التنويريين تحديد مفهوم للاستبداد، لكن الزمن بدل اشياء كثيرة واضاف الى الاستبداد فساداً يصعب تحديد دابره كي يجتث منه، لان فيروس هذا الفساد هو الارشق في التأقلم ومقاومة كل المبيدات والمضادات، انه على العكس من ذلك يتغذى من هذه المضادات كما اصبح الذباب يتغذى من الدي. دي. تي ويسمن به لأنه تأقلم معه بمرور الوقت.

وحين قدم المؤرخ المصري محمود عوض قائمة بنفقات الخديوي اسماعيل ونصيب زوجاته من اموال الدولة لم يكن يعرف ان هذه النفقات بالغة التواضع، وانها اقرب الى الزهد اذا قورنت بالارقام الفلكية التي نسمع عنها ونقرأها بدءاً من فستان بمليوني دولار حتى حفلة عيد ميلاد لكلب بلغت تكاليفها ما يكفي لستر الف عائلة من جياع هذه الارض.

لقد كان للاستبداد طبائع ثم اصبح له صنائع، مثلما كان ظاهرة في التاريخ ثم تحول الى فقه!