شيوخ الفضائيات
خلال عقد واحد من عمر الاعلام الفضائي , انتجت الشاشات شيوخا وطُرقا دينية , اضعاف ما انتجه الفقه طوال الف عام ويزيد , حتى في زمن التردي او ما وصفناه بعهد الانحطاط , وغامر الشيوخ الفضائيون بالفتاوى دون ادنى مراعاة لقواعد الفقه وبجرأة تفوق الائمة الاربعة مجتمعين على فتوى واحدة , واثبت كثير منهم ان الغرائزية هي العنوان الابرز للمواضيع التي تعنيه , ربما يريد الشهرة من هذا الباب الغرائزي كما تفعل قنوات الرقص والافلام الهابطة .
في زمن “ الربيع الرُعبي “ او حراكات الشارع العربي , تظهر فتاوى ليست فقط تخالف العقل والعصر , بل هي آخر ما يحتاجه المجتمع العربي , الا اذا كانت الفتوى مجرد تعبير غرائزي لمن قام بالافتاء , فما جدوى الفتوى الان عن زواج الفتيات الصغيرات, وفتاوى الجهاد الجنسي .
فالدستور المصري الجديد او دستور بعد الثورة أصر الإسلاميون فيه على بند يمنع القانون المصري بتحديد حد أدنى لسن الزواج، بدعوى أن الشريعة الإسلامية تجيز عقد القران على الطفلة، ثم الدخول بها بمجرد أن تبلغ , و هذا الموضوع أخطر كثيرا من مجرد زواج القاصرات، لأن الإسلاميين “ الثوريين “ لم يخبرونا ما يجوز للرجل أن يفعل بهذه الطفلة، ما بين عقد قرانه عليها حتى وصولها إلى سن البلوغ .
تركيب الصورة النهائية للنصوص والفتاوى تُعطي صورة مرعبة لشكل المجتمع وللحياة المجتمعية , فهل هذا هو الشكل الجديد للوعي العربي بعد الربيع الذي سيكون رعبا لا ربيعا اذا ما استمرت هذه العقول في دفعنا نحو التفكير بالغرائزية والاستناد الى نصوص الفقه دون مراعاة روح العصر او الواقع الاجتماعي , هل يعرفون ان الرسول عليه افضل الصلاة والتسليم قال عن حلف الفضول الذي أقرته جماعات غير مسلمة “ لو دعيت الى مثل هذا لوافقت “ , وجميعنا يعرف ان حلف الفضول جاء والوحي يهبط على نبي الامة , فوافق الرسول على حلف الفضول بوصفه تعبيرا عن واقع اجتماعي .
هذه هي النصوص الشرعية التى يتبناها شيوخ الديجتال الفضائيون , وتلك الاغلبية من الشيوخ هي التي تركض اليها كل الجماعات في الاقطار العربية لأخذ المشورة والفتوى بوصفها ضامنة التبرير ومرجعية الفصل في الخلافات وتمنح الشرعية والمشروعية لأي جماعة او نظام في الاقطار الكونية .
والسؤال هنا , هل قال لنا واحد منهم ان هذا هو الشكل الثوري للمجتمع العربي ما بعد الثورة ؟ وهل افادونا اثناء المسيرات وقطف الثمار عن ارائهم الاجتماعية بعد الخلاص من الواقع السياسي ؟ ام انهم يخادعون الناس , يظهرون حكم زواج القاصرات كمَثل , مما يدلل على انه لا يخالف ذوق كثيرين من جمهورهم . وفى نفس الوقت يخفون – حاليا – احكاما كثيرة لانها قد تكون صادمة لكثير من الناخبين الذين صوتوا لهم ، فهم يحتاجون لكل صوت من هؤلاء لكي يمرروا برامجهم وبرامج داعميهم .
ما يجري على الواقع الاجتماعي يشير الى ان الشعار السياسي ليس كافيا لوحده للحكم على الاحزاب الدينية , ولا يجوز القفز عن الشعار الاجتماعي فهو الذي سينظم الحياة بين الناس لاحقا , ولا اقل من عرضه على الناس والسؤال عنه دائما قبل السياسة , فحذار ان ننجر وراء شعار سياسي برّاق وننسى واقعنا , الا اذا وافقنا جميعا على اننا أمة نائمة , بدليل ان عدد مفسرّي الاحلام بات واحدا لكل عشرة في الوطن العربي في حين ان عدد الاطباء اقل من ذلك بكثير .
omarkallab@yahoo.com