لهذا لا يريـد الفلسطينيون التدخل في شؤونهم الداخلية
يشكو الأشقاء الفلسطينيون مُرَّ الشكوى من تدخل عربي في شؤونهم الداخلية وأغلب الظن أن مؤتمر حركة «فتح»، الذي يواصل إجتماعاته التي بدأت يوم الثلاثاء الماضي، سوف يتوقف طويلاً عند هذه المسألة التي بقي يعاني هؤلاء الأشقاء ليس منذ تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1964 وإنما قبل ذلك بكثير وهذا أدىَّ إذا أردْنا قول الحقيقة إلى أنْ أصبحت لديهم «حساسية» مفرطة تجاه أي تدخلات عربية في أوضاعهم وحتى وإن كانت أهدافها نبيلة وعلى إعتبار أن هذه القضية قضية عربية .
لقد كان هذا هو سبب إصرارهم، الذي حظي إن ليس بإجماع عربي فبشبه إجماع في قمة الرباط الشهيرة في عام 1974 ، على الإعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعيا ووحيداً للشعب الفلسطيني هذا الإعتراف الذي أيدته دول غير عربية كثيرة من بينها دول كبرى كالإتحاد السوفياتي السابق وروسيا الإتحادية اللاحقة وكفرنسا ومعظم منظومة عدم الإنحياز وجميع الدول الإسلامية والأفريقية وحقيقة أن هذا كان إنجاز تاريخي بالنسبة لشعب كان قبل إنشاء هذه المنظمة وقبل إنطلاقة حركة «فتح» العسكرية في عام 1965 بلا هوية وطنية مما سهل على الإسرائيليين وبعض مؤازريهم الإدعاء أنه لا يوجد شعب فلسطيني ولا توجد أرض فلسطينية محتلة .
وهكذا فقد غدا هناك منذ عام 1974 فصاعداً كيان معنوي فلسطيني هو منظمة التحرير الفلسطينية أصبح له حضوره في كل الهيئات الدولية الرئيسية ومن بينها بالإضافة إلى الأمم المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة للتعليم والعلوم والثقافة «اليونيسكو» والهيئات المماثلة الأخرى كحركة عدم الإنحياز ومنظمة التعاون الإسلامي .. وهنا فإنه لا بد من الإشارة إلى ذلك التطور الذي هو في غاية الأهمية وحيث إعترفت الأمم المتحدة بـ»فلسطين» دولة تحت الإحتلال وتبعتها بالنسبة لهذا الإعتراف دول كثيرة مما أنهى تلك الكذبة والمؤامرة الكبرى التي كانت تعتبر الضفة الغربية وأيضاً قطاع غزة بعد إحتلال عام 1967 أراضٍ متنازع عليها .
هناك مثل يقول:»إنَّ قريص الأفعى يخاف ويخشى من جرة الحبل» ولذلك وإذا كان الفلسطينيون قد إتخذوا هذا الموقف الدفاعي تجاه ما أعتبروه تدخلا في شؤونهم فإنه معهم الحق كله إذ أن العودة إلى ما بعد عام 1967 تظهر بروز فصائل متعددة في الساحة الفلسطينية بعضها مجرد أسماء «فاقعة» كانت تشكل وبعضها لا يزال إمتداداً لبعض الأنظمة العربية التي كانت تسعى لتطويق حركة «فتح» بعناوين فلسطينية وبمنظمات تم «صنعها» في دهاليز مخابرات الدول التي كانت ولا تزال تحاول إختراق شؤون الفلسطينيين الداخلية .
لقد كان مقبولاً أن تتحول حركة القوميين العرب (الفلسطينية ) إلى تنظيم فلسطيني مقاتل هو الجبهة الشعبية ولاحقاً الجبهة الديموقراطية أما ما لم يكن مقبولاً هو أن يبادر البعث السوري إلى إنشاء منظمة طلائع حرب التحرير الشعبية وأن يبادر البعث العراقي إلى إنشاء جبهة التحرير العربية وذلك في حين أنه كان بالإمكان دعم الكفاح الفلسطيني من خلال حركة «فتح» وعلى غرار عندما كان الدعم العربي للثورة الجزائرية يتم من خلال جبهة التحرير الوطني .. وهنا فإن الأدهى والأنكى أنه تم إختراع «فتح المجلس الثوري» بقيادة صبري البنا (أبو نضال) و»فتح الإنتفاضة» بقيادة الثنائي أبو موسى وأبو خالد العملة
ولذلك فإنه يجب أن يكون هناك تفهماً لكل هذه «الحساسية « المفرطة لدى الشعب الفلسطيني وليس القيادة الفلسطينية فقط تجاه بعض المبادرات «الشقيقة» التي قد تكون دوافع بعض أطرافها أخوية بالفعل وحرصاً على الوحدة الوطنية الفلسطينية في هذه المرحلة الصعبة والحساسة والخطيرة فالتجارب المرة حقاًّ جعلت لدى الفلسطينيين مخاوف محقة من أي إحساس وشعور بأي تدخل في شؤونهم الداخلية وحتى إن كان هذا التدخل بنوايا طيبة وبدوافع أخوية.