رسالة عاجلة إلى دولة عبدالله النسور بعد مقتل الفتاة الجامعية
كثيرة هي الجرائم التي وقعت هنا وهناك، فلا يكاد يمرّ يوم إلا ونسمع فيه عن جريمة مدويّة. نحن نعلم بأن الجريمة هي الجريمة، أينما وقعت وأيا كان مرتكبها، فهي كذلك مهما تعددت الأسباب، أو المبرّرات، أو الدوافع.
وما نعلمه أيضاً، بأن المجرم يجب أن يطاله العقاب، بصرف النظر عن العائلة التي ينتمي إليها، أو العشيرة التي يحتمي بها، أو الواسطة التي تقف بينه وبين العقوبة حائلاً ومانعا.
دائماً وأبداً نتعاطف مع جميع الضحايا ونرثي لذويهم، إن كانت الجريمة التي فتكت بهم هي القتل، كما نتعاطف مع جميع الضحايا الذين تعرضوا للسرقة، أو الخداع، أو لأي شكل من أشكال السلب أو النهب.
مع كل جريمة كانت تُرتكب بحق أي مواطن أو مواطنة، كان يقفز دائماً إلى أذهاننا، وأذهان جميع الناس السؤال عن ذلك السرّ الذي يكمن وراء هذا الإنفلات الأمني، الذي يشكو منه جميع المواطنين، مما يقودنا إلى طرح التساؤل الآتي: ما الذي اعترى بنية المجتمع الأردني حتى أصابها ما أصابها من خلل في المنظومة القيمية والأخلاقية على وجه الخصوص؟!
بالطبع لا مجال هنا للإجابة عن ذلك، لا لشيء إلا لأن الإجابة أكبر وأعمق من أن تُطرح في مقالة واحدة، فذلك السؤال بحاجة إلى مركز أبحاث للتصدي لإجابته.
ولكن ذلك لا يمنعنا من التأكيد على حقيقة أن المواطن الأردني، تحوّل إلى مواطن لا يتصف إلا بالقلق، نراه ينام قلِقاً، وعندما يتناول طعامه يغصُّ بالقلق، وعندما يشرب الماء يشرق بالقلق، وكأن لسان حاله يقول كما قال المتنبي: على قَلَقٍ كأن الريح تحتي…، هذا القلق للأسف لا نعني به القلق الوجودي، الذي تحدّث عنه فيلسوف الوجودية “سارتر”، بل نعني به ذلك “القلق المرضي”، الذي بات يشل قدرة الجميع عن التفكير، وبات يشلّ الإحساس بالطمأنينة أو السَّكينة، لقد تحول بالفعل أفراد المجتمع إلى “كائنات قلِقَة” تسبح في بحر لجيّ من التخبط السياسي والإقتصادي…
بالأمس القريب استيقظ الشعب الأردني على جريمة بشعة، راحت ضحيتها فتاة جامعية، هذه الجريمة نكأت جميع جراحاتنا وتخوفاتنا، وعقدت قران القلق والخوف والحزن على عيوننا وقلوبنا في احتفالية مهيبة، لا رصاص فيها سوى رصاص الغضب، ولا دموع فيها سوى دموع الألم، ولا كعكة فيها سوى كعكة القهر التي أصبحنا من أمهر صانعيها، ولا صوت فيها سوى صوت الموت، الذي باتت وشوشاته تسكن آذاننا في كل وقت وحين.
تلك الجريمة وقعت بحق فتاة، خرجت من بيتها قبل صياح الديك، خرجت نحو جامعتها في وقت مبكر لا يخرج فيه إلا اللصوص، وقطَّاع الطرق، وشذَّاذ الآفاق، وبعض ملتمسي الرزق.
خرجت لتحجز لها مقعدا في الحافلة خشية أن يفوتها موعد المحاضرة الأولى، ولكنها لم تكن تعلم بأنها قد خرجت لتحجز مقعدا لها في حافلة الموت.
خروجها في هذا الوقت أغرى قاتلها، لينفرد بها بعيداً عن زقزقة العصافير، وتسابيح المصلّين، وأصوات المآذن، انفرد بها ليغرس خنجره الآثم في جسدها الطهور، الذي رفرفت فوق دمائه غربان الصمت، لتموت بعد ذلك في صقيع وحدتها، بعد أن تبخرت جميع توسلاتها، وذابت في مواكب الغياب الأبدي…
كنا قبل فترة يا “دولة الرئيس” قد صرخنا بأعلى أصواتنا، بأن (توقيتك) يعرقل حياة الناس، ويخالف منطق “الفلك”، ويكفر بحقيقة “الجغرافية”، ويعاند منطق “الإقتصاد”، ويعري أكذوبة “الديمقراطية”، ويزلزل قبة مجلس نوابك الأشاوس…!!
قديما قال الفاروق عمر – رضي الله عنه – : “لو أن بغلة عثرت في أرض العراق، لسألني الله عنها لِمَ لمْ تمهد لها الطريق يا عمر؟!”.
ونحن نقول لك يا دولة الرئيس: إن شعبك قد تعثرت خطاه في كل المحافظات، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، لقد تحولنا يا سيدي إلى “شعب العثرات”، إلى شعب مشنوق بحسراته وويلاته، تحولنا إلى شعب من أفقر شعوب الأرض، وإلى شعب مهدد بالإنقراض…
ومع ذلك لم نطالب دولتكم بتمهيد الأرض، فنحن بفضلكم لدينا طرق تغرق من أول قطرة ماء، ولدينا طرق مليئة بالحفر، تمتصنا وسياراتنا كما يمتص الثقب الأسود الضوء المار به في الفضاء، لدينا طرق يا سيدي تجبرنا “مطباتها” المهترئة وعلوها العشوائي على استدعاء رافعة كي تعبر بنا الطريق.
يا سيدي الرئيس لا نطالبكم بتمهيد الطريق، ولكننا نطالبكم بأمرين: أن تقروا بتورط “توقيتكم” بمقتل فتاة جامعة آل البيت، وأن تفتحوا الطريق لغيركم؛ لينتشلوا الشعب من “أعماق حفر” تخبط سياساتكم.
m.sanjalawi@yahoo.com
للمتابعة على الفيس بوك: الدكتور محمد السنجلاوي