الطبيبَة حَمْدَه بنت هَوّاش الفلاحات (الهَوَاشِيّه) .. تعرف عليها!
وكالة الناس – سيدة ليثية من عرب اللياثنة ولدت في وادي موسى، وعاشت ما بين 1896 – 1973م، إشتهرت بالطب الشعبي، كما كانت أميّة لا تجيد القراءة ولا الكتابه.
كانت الهواشية قبلة الغرباء الذين يَقصِدون وادي موسى من غزة وبئر السبع وسيناء إضافة الى مناطق جنوب الاردن، نظراً لصيتها الذي ذاع في تلك الاصقاع من إكْرامها للضيف، وحسن خِبْرتها في التداوي، وكانت معروفة بين القبائل في منطقة جنوب الاردن وجنوب فلسطين وسيناء بطب الإنجاب وعلاج العُقم عند النساء بالتدليك، وتعتبر الهواشية مرجعاً للنساء في إستخدام الأعشاب الطبيعية للتداوي.
تزوجت الهواشية من إبن عمها المرحوم محمود علي الفلاحات الذي يكبرها ببضع سنين، وكان أول إنجابها عام 1918م بنت، لها من الاولاد أربعة ومن البنات أربعه، وأحفادها اليوم يقاربون المئتين، يتوزعون بين معظم عشائر اللياثنه.
ونظراً لهدوئها وعفافها ورَجَاحَة عقلها وسداد رأيها فقد أصبحت مُصْلِحَةً إجتماعية خصوصاً في القضايا التي تكون فيها المرأة طرفاً، وهي موضع ثقة الجميع، لذلك كان الأزواج يقصدونها للتدخل فيما ينشب بينهم وبين زوجاتهم من خلافات وكذلك كانت تفعل الزوجات، فهي كاتمة أسرار البيوت والأكثر قبولاً لدى طرفي الخلاف، وذلك لأنها صادقة مخلصة في نيتها للإصلاح ورأب الصدع.
وهي خَيّرَه دائمة الصدقة سَخِيّة، تُحِب إطعام الطعام في زمن كان الجوع يفتك بالناس، لذلك كانت قِبلَة الغرباء الذين يأتون من وادي عربة وغزة وبئر السبع وسيناء، ولم تكتفِ بمن ينزلون بيتها لإكرامهم، بل كانت تسافر إلى العربان في مواقعهم ومخيماتهم تنقل اليهم فاكهة وادي موسى من التين والعنب سواءً الطازج او المُجَفَف، إضافة إلى تخفيف آلام المرضى بعلاجهم في أماكن سكناهم، فكانت تنقل الفرح والسعادة أينما إرْتَحَلَت وحيثما حلَتْ، لذا كان البدو يَسْعَدون بطلتها، ويفرحون لمَقدمها.
كما كان من طبائعها أن تجمع الأعشاب البرية في فصل الربيع من البراري، ثم تقوم بتجفيفها بأساليب خاصة بحيث تجفف الأعشاب البرية في الظل وليس تحت أشعة الشمس المباشرة، وكانت النساء تتطوع معها لجمع الأعشاب في رحلات للبراري المحيطة بمنطقة وادي موسى والبتراء.
وكان من عادتها تصنيف الأعشاب بحسب الأمراض التي تناسبها، كما كانت تُعِد أحياناً خلطات من الأعشاب تناسباً أوجاعاً معينة.
ومن الأعشاب التي تحرص على وجودها في صيدليتها البسيطة المتواضعة الشيح والقيصوم وقشر الرمّان وجذور البلوط والمُرّ وغيرها من أعشاب المنطقة البرية.
وهي مُفَرِجة هم كل محتاج، فكم كانت تتكفل المستدينين من ذوي الحاجة عند التجار، حتى أنها أصبحت الضامنه شبه الوحيدة عند التاجر أبو العبد لمعظم الناس، ولما لم يستطع المدين سداد دينه، كانت تتكفل بالسداد عن طيب خاطر لأنها كانت تقدر ظروف الناس البائسة، وتشعر مع ذوي الحاجة.
أما زوجها وأولادها، فقد إستلطفوا وقبلوا سلوكها الإنساني وساعدوها عليه، وتقبلوا تبعَات هذا الدور الاجتماعي، فكم سارت في آخر الليل لمساعدة ولاّدة، وكم ُقرِعَ باب بيتها من مريض يتلوى، فأوقدت نارها لتخفف ألَمَه، وكم جابت التلال تجمع أعشاباً برّية لتقدمها إلى موجوع فتذهب وجَعَه.
أما الطب الشعبي الذي مارسته لاكثر من خمسين عاماً، فقد إعتبره الناس سِرّ من أسرار الله في خلقه، ويرى أكثر الناس أن الله أكرمها بهذا السِرّ، فقد كانت تعالج كل الأوجاع في الغالب بعلاج واحد، وهو قرص صغير من عجين القمح على بطن المريض ويُرْبَط بحزام من القماش فيشفى الموجوع بأمر الله، حتى أن معظم حالات العقم عند النساء كانت تعالج بنفس الأسلوب مع تدليك للبطن، وربما تكررت عملية التدليك أكثر من مرّة للحالات الصعبة والتي تقدرها هي بالخبرة والتجربة، كما كانت قابلة توليد النساء، وتحسن هذا الدور بمهنية عالية، وتطبب الاطفال.
ومما يُرْوَى عنها أنها كانت دائمة الذِكْر وحريصة عليه، كما كانت تؤنِبْ من لا يَذكُر الله في كل حَرَكةٍ من حركاته، كما كانت حريصة على أن تذّكِر مريضها بأن الشفاء من الله فقط، ولذلك كانت تردد على مسامع مرضاها عبارة: ” أخذت من عبدالله وإتكلت على الله”.
قبل وفاتها بعامين حَجّت الهواشية إلى بيت الله الحرام، وماتت عن عمر السابعة والسبعين، وتركت إرثاً من الفضائل والسمعة الحسنه نسأل الله أن يكون في موازين أعمالها.
كتب/ د. هاني الفلاحات