المركز الثقافي الملكي يستضيف الشاعرين محمد خضير وعلي الفاعوري
وكالة الناس – ضمن أمسيات “قراءات شعرية” استضاف المركز الثقافي الملكي وسط حضور كبير للأكاديميين والشعراء والمتابعين، الشاعرين محمد خضير وعلي الفاعوري، وقدمهما الشاعر الناقد عبدالرحيم جداية، الذي رحّب بالحضور مفتتحًا الأمسية بالسلام الملكي، والقول: “جئنا محملين بالحب لهذه الدعوة الكريمة من إدارة المركز الثقافي الملكي الصرح العامر بالثقافة والإبداع، كما جئنا والحضور الكريم محملين بالشوق والأمل في أن يطلّ علينا الشعر من عليائه يانعًا بهيًا لينير علينا من مشكاته في حضرة الجمال والهيبة أمام شاعرين طاعنين في الشعر حتى نستشعر اللذة مثل صوفي في خلوته”. وافتتح الدكتور سالم الدهام مدير المركز الثقافي الملكي الأمسية بكلمة ترحيبية، ذهب فيها إلى استحضار لاميّة الشنفرى وأثرها الباذخ في تاريخ الشعر، وعبّر الدهام عن سعادته باستضافة الشعراء من خلال منصة المركز؛ الحريص على أن يبقى المشهد الشعري بخير، سواء على مستوى الشعر والكلمة، أو الجمهور الذي يعوّل عليه في إنجاح وإثراء الأمسيات.
وكان جداية قد استهل الأمسية بتقديم الشاعر محمد خضير، من خلال سيرته المكتنزة بالأعمال الشعرية والأدبية، ومنها: “شاعر وكاتب وفنّان تشكيلي، وُلد في مخيّم (الطالبية) جنوب العاصمة الأردنية عمّان، في الثاني من أيلول عام 1968م، بعد نزوح عائلته من مسقط رأسه “طوباس” في فلسطين المحتلة إبان حرب حزيران 1967م، وهو عضو الهيئة الإدارية لرابطة الكتّاب الأردنيين وأمين النشر والإعلام فيها 2019-2021، ومدير تحرير مجلة أوراق الصادرة عنها 2019-2021، عضو اتحاد الكتّاب والأدباء العرب، واتحاد كتّاب آسيا وإفريقيا”. وأضاف جداية: ” جئنا نسمع الشعر في حضرة شاعرين أقاما الوزن وضبطا الإيقاع ليشكلا رواسخ الشعر كالجبال الشم، محلقين كصقرين يخفقان بأجنحتهما في بحور الشعر التي خلدها التراث العربي الأصيل كما خلدها الفراهيدي بقوله: (اجعل ما في كتابك رأس مالك، وما في صدرك للنفقة)، فهل عرفنا الشاعرين حق المعرفة وهل قدرناهم حق قدرهما كلما رشفنا من شعرهما المعتق.
وقرأ الشاعر محمد خضير غير قصيدة، فقرأ :”سُلامى”، و”الأعمى” و”الناسك” التي يقول فيها:
(في صفْحةِ الماءِ الزُّلالِ رأيتُني
صوتًا بلا وجهٍ أردّدُ قوْلَهُ:
لا طيرَ يحسُوْ مِن طويَّةِ عابرٍ
لعَنَ السؤالَ، وقامَ يبْسِطُ بُخْلَهُ
أهْذي كنهرٍ ظامئٍ يَجْري سُدىٰ
والماءُ مِن كفّيهِ يغسِلُ وَحْلَهُ
يا قلبَها، ما كانَ أقسىٰ قلبَها
لمّا طرقتُ البابَ أرجو وَصْلَهُ
فلعلَّهُ مِن فرْطِ ما ناديتُهُ
لبّىٰ، وأشفقَ، واستكانَ، لعلَّهُ
الحبُّ مثلُ الشعرِ إلّا أنّهُ
في كلِّ جُرْحٍ كانَ يَغمِدُ نصْلَهُ
وكلاهُما وجهَانِ للكَذبِ الذي
مِن صُلْبِ ما قلناهُ أنجبَ نسْلَهُ
وأنا بماءِ الشّعرِ طفلٌ لم يذُقْ
طعْمَ النجَاةِ، فكيفَ يَفطِمُ طِفْلَهُ!).
كما قرأ في الجولة الثانية قصيدة “تناقضات” وقصيدة “غيض الكلام” ومنها:
(يا صاحِ هلْ من شاعرٍ أسْرَىٰ بِنا
فوقَ احتمالِ الغَيْبِ أو ما لا يُرىٰ!
خَدعوكَ إذْ صارَ الخيالُ حقيقةً
إنّ السّرابَ إذا دَنوْتَ تَأخّرٰا
يا صاحِ كمْ في الوهم من قتلى وكمْ
نَطَقتْ قَصائدُنا بقولٍ زُوِّرٰا!
ما الشِّعرُ إلا شَكلُنا في مائهِ
هلْ تَعكس المرآةُ إلّا ما تَرىٰ؟
فاحفظْ لسانَكَ إنْ تجلَّتْ خَيْلُهُ
كيْ لا تمَيدَ الخيلُ أوْ تَـتعثَّرٰا
كَذِبٌ عُيونُ الشّعرِ، لَحْظُ سِهامِها
أبليْنَ قيـْسًا، والسُّليْكَ، وعَنْترٰا
ما نحنُ في سَطْرِ الخَطابةِ أهلُها
لنكونَ في صدرِ المطايا شَنفَرى
الشّعرُ سحْرٌ، والعَرافَةُ حَرْفُهُ
إنْ أقبلتْ عينُ الحقيقةِ أدبـَرٰاْ
وأنا عَصٰا موسىٰ أشُقُّ بُحورَهُ
يا ويلَ شِعْري كمْ غَرقْتُ وأبْحَرٰا!).
وفي تقديمه للشاعر علي الفاعوري، قال جداية: “جئناك طمعا في كرمك، كي نعب من شعرك العذب الذي تابعته من تفعيلته الأولى، مفاعلتن مفاعلتن أضرمت الحب في قلبي وقلوب مريديك، أيها السالك والعارف يا حفيد الشعر، يا نصا أرتله كي أسمعك، فأنت أزرق مما أظن، زرقة السماء والبحر، زرقة عينيها التي ألهمتك الأناشيد في محرابها، واصل التبتل فالشعر تجلٍ بعد خفاء. جئناك عطشى فاسقنا من مقام الضباب حتى يفيق النابغة ويجلس في سوق عكاظ على كرسيه، أنشده وأنشدنا فقد سبقتك الخنساء فأكرم نزلها وقل للمنشدين آيل للصعود، فهل يرضى الشعراء غير القمم. وقرأ الفاعوري أيضًا غير قصيدة، منها قصيدة لوز، يقول فيها:
(على قليلٍ مِنَ الأحلامِ والألَقِ
على كثيرٍ مِنَ الآلامِ والقَلَقِ
يستيقِظُ العِطرُ اذا تأتينَ حامِلةً
كلَّ الرّحيقِ على خدٍّ من الحَبَقِ
تسْتعذِبينَ دَمَ الفُصْحى كقاتِلةٍ
لَمْ تُبقِ منّي سوى نقْشٍ على وَرَقِ
لمْ تُبقِ للشِّعرِ الاّ نِصفَ قافِيةٍ
بلْهاءَ تستعطِفُ الأغرابَ في الطّرُقِ
يا لوزَ عينيكِ لَمّا جاءَ يَقطِفُني
بكى فأَعتَقَ عبْدًا غيرَ مُنعَتِقِ
قد راوَدَتْني ولا قُمصانَ تعصِمُني
وقد عَفَفْتُ بِما أوتيتُ مِنْ نَزَقِ
عطشانُ أعصِرُ أعصابي وأشرَبُها
ولوزُكِ الغَضُّ ماءٌ في مدى أُفُقي
حتّى أفاقَ دَمي مِنْ بعضِ سَكْرَتِهِ
وصاحَ بالقَلبِ هذا البابُ فاسْتَبِقِ).
واختتم الفاعوري الأمسية بقصيدة حديث الخرافة:
(تقولُ الخُرافةُ
إنَّ الجميلاتِ دمْعٌ على خَدِّ نايٍ حزينْ
ونحنُ نغوصُ بفوضى الأصابعِ وهي تُنقِّطُ
فوقَ العيونِ ليستيقظَ الياسمينْ
نفِرُّ إلى الحُبِّ كي نستعيدَ يدينا
وفي آخرِ السَّطرِ نقرأُنا في كتابِ الحنينْ
وهُنَّ على مهلِهِنَّ يُشَكِّلنَ أسماءَنا في الصّباحِ
رويدًا رويدا
ويحرِقْنَ أعمارَنا في المساءِ غرورًا وكيدا
وحينَ تموتُ الرّياحُ نفيقُ
كفجرٍ ندِيٍّ
كصَبرِ نبيٍّ عليهِ السّلامْ
تقولُ الحقيقةُ..
إنَّ النساءَ خُرافتُنا
ولسنا نُصدِّقُ ماءً سِواها
سَنشرَبُها رِقَّةً رِقَّةً
لنَثمَلَ مِن خَمرَةٍ لا نَراها
سَيعبُرُ هذا القطارُ الذي قد أتينَ بهِ
من شقوقُ البعيد
وسوفُ تُفسِّرُ أشجارُنا ما اعتراها
تقولُ الحقيقةُ
إنّ النساءَ احتمالُ
وإنّ الذّهابَ إلى حيثُ هُنّ احتمالُ
وإنّ البقاءَ احتمالُ
تقولُ الحقيقةُ
إنّ النساءَ سَقَطْنَ منَ الشّمْسِ يومًا علينا
فكانَ الجمالُ).