0020
0020
previous arrow
next arrow

من أيقظ فينا هذا الوحش..؟!

لن أختلف مع الذين يعتقدون أن “الإسلام المسلح” بمعظم تنظيماته وفصائله “صناعة” أجنبية جاءت في سياق فهم استشراقي وتدبير استراتيجي, وقامت على اختيار ما يلزم من “بيئات” سياسية واجتماعية  لتجنيد “عملاء” لديهم القابلية لتنفيذ المهمات المطلوبة، سواء ادركوا هدف هذه المهمات أو لم يدركوه.

هذه  ليست قضيتنا, ذلك أن من يملك القوة ويريد ان يحافظ على مصالحه يجد دائما أن ما يقوم به عمل مشروع, وهو بالتالي يدافع عن نفسه  ومصالحه و مستقبله, ولكن المشكلة الأساسية تكمن في الطرف الثاني , الذي هو نحن, ليس لأنه يمتلك “القابلية” للوقوع في “فخ” الآخرين والاستسلام لرغباتهم,  وانما أيضا لأنه يتصور دائما أنه لا يستطيع أن يواجه الحقيقة, ولا تتوافر لديه “الإمكانيات” للخروج من مصائد الكيد, وبالتالي فهو يصر دائما على “تصديق” الرواية التي تقدم اليه ، وعلى التعامل معها والتفاعل مع أبطالها وأحداثها , كما كتبت تماما..وكأنها هي الحقيقة.

في السنوات الماضية , جاءت فرصة “للذات” العربية لكي تتحرر من منطق “الاستعباد” هذا, وان تتحرك باتجاه منطق السؤال والنقد والرد,على اعتبار أن حالة الاستبداد والقهر والطاعة التي تقمصتها  الشعوب بفعل الأنظمة التي شكلت وعيها, هي مصدر “البلاء” , وبأن هدم هذا  الإرث الكبير هو الذي سيفتح أمامها أبواب الخلاص من الاحتلال الأجنبي والوطني الذي غيَّب ما لديها من قدرة على “الابصار” وعلى الاختيار، و أعماها عن الوصول الى الحقيقة كما تعتقدها هي لا كما يقدمها هو إليها أو يفرضها عليها.

أهدرت الحكومات العربية -للأسف- هذه الفرصة , وحاولت أن تعيد المجتمعات الى دائرة “القهر” , وسدت امام الناس الذين تشوقوا للحرية والديمقراطية باب الأمل بالتغيير , واستخدمت كل لديها من قوة مفرطة لفرض الأمر الواقع واعادة عقارب الساعة الى الوراء, لم تدرك بالطبع ان ما حدث كان انعطافة تاريخية وزلزالا دكَّ الانظمة واسقط بعضها ، كما دك الافكار القائمة واسقطها ثم اقام بدلا منها افكارا جديدة.

في كل البلدان التي خرج فيها  “القرود” من قمقم القهر وجنحوا الى التطرف و العنف كان  ثمة عوامل مشتركة,وكانت ثمة ردود مشتركة ايضا, فـ”داعش” مثلا هي الوجه الآخر للنظامين السوري والعراقي, والتنظيمات المسلحة الأخرى التي خرجت في اليمن وليبيا وفي غيرهما هي النسخة الاخرى للعنف السياسي الذي واجهته المجتمعات حين خرجت للميادين لتحتج بسلمية, كما ان “التكفير” الديني  الذي  نسمع أصداءه ليس اكثر من صدى للتكفير السياسي الذي بدأته وفجرته  السلطة.

نحن إذن أمام “أزمة “عنف مركب, انتقلت من الانظمة المستبدة الى المجتمعات المجروحة, وتشكلت بفعل عوامل تاريخية وسياسية واجتماعية تراكمت داخل الذات العربية وغذاها الاخر المتربص والمستفيد , حتى انفجرت وتحولت الى فيضان اغرق المنطقة بالدماء والحروب والصراعات, وما نراه الآن  ليس سوى “البدايات” , واذا ما استمرت الاوضاع على ما هي علية فإنه سيتحول الى “براكين” لا تبقى ولا تذر.

هنا لابد ان ننتبه الى مسألتين: إحداهما ان “الآخر” لن يتركنا ما دام انه يستطيع ان يوظف “ضعفنا” وازماتنا لخدمة مصالحه, وان ما يفعله بنا ليس اخطر ولا أكبر مما نفعله بأنفسنا, ولنا في الامم والدول الاخرى ما يلزم من عبره ، فقد استطاعت المانيا مثلا ان تخرج من الحروب التي دمرتها لتصنع نهضتها مع ان “مطامع” الاخرين بها لم تتوقف, وكذلك فعلت دول اوروبا وامريكا اللاتينية واليابان والصين..الخ, وبالتالي فإننا نخطئ دائما بتعليق “كوارثنا” على مشاجب الآخر, ومن واجبنا ان نخرج من هذه الدائرة نحو محاسبة الذات بدل  استسهال الشكوى من الاخرين, أما المسألة الاخرى فهي ان  ظاهرة العنف والقتل التي اصبحت طعامنا اليومي لا يمكن ان تنتهي بمزيد من الحروب العسكرية, حتى وان انتصرنا فيها, فكل ما حدث في مجتمعاتنا منذ ان ضيعنا فرصة “التغيير” التي جاءتنا قبل سنوات لم يكن سوى “مقدمات” انتجب هذا “التوحش” , وبالتالي فإن الاجابة على السؤال “العنف” والدم يجب ان تسبقها إجابة اخرى على سؤال “التوحش” الذي استيقظ داخلنا: من أيقظه, ولماذا أيقظه؟ وما لم ننجح بذلك فإن هذا الوحش سيتمدد ويكبر وسيفرض علينا ان نتحول جميعا الى وحوش.

حين نمتلك الجرأة والقدرة على تقديم تلك الاجابة  ستتبخر على الفور “العفاريت” التي تتقافز أمامنا وسنفتح عيوننا على واقع جديد خال من القهر والظلم والاستبداد وخال من العنف والقتل ومن المسلحين مهما كانت هوياتهم او غواياتهم ..