0020
0020
previous arrow
next arrow

إخفاقات ورشة واشنطن

على الرغم من جبروت الولايات المتحدة، وقدرتها على الجميع لما تتمتع به من نفوذ، نجح الفلسطينيون في نزع الدسم عن مؤتمر كوشنير الاقتصادي، بغيابهم وعدم حضورهم، فتحول إلى لقاء باهت تحت الأضواء الكاشفة والمراقبات متعددة الأطراف وسجل إخفاقاً مسبقاً لخطة ترامب، ولو كان للشعب الأميركي اهتمام جدي بالسياسة الخارجية، لكان هذا المؤتمر أحد عوامل نكوص الرئيس عن العودة إلى البيت الأبيض مرة أخرى.
إدعاء كوشنير أنه نجح في عقد ورشته يوم 25 حزيران 2019، يفتقد للمصداقية، نظراً لغياب أوروبا وروسيا والصين، والولايات المتحدة لا تملك إدعاء النجاح بدونهم، إضافة إلى غياب متعمد من بعض البلدان العربية، واستجابة خجولة من بلدان أخرى ويعود هذا كله لقرار فلسطين في عدم الحضور، ولسوء إدارة واشنطن لبرنامجها المعنون بصفقة القرن.
فشل مؤتمر المنامة الاقتصادي يعود لعدة أسباب: 
أولاً تبني الولايات المتحدة لرؤية المستعمرة الإسرائيلية والانحياز المسبق لمصالحها التوسعية نحو القضايا الخلافية التي أعاقت التوصل إلى التسوية طوال ولايات الإدارات الأميركية الأربعة المتعاقبة، بوش الأب، كيلنتون، بوش الابن وأوباما، فالذي سبق للفلسطينيين أن رفضوه في مدريد عام 1991، وكامب ديفيد 2000، وأنابوليس 2007، وواشنطن 2009-2016، لن يقبلوه من ترامب وفريقه الصهيوني المتطرف.
ثانياً وبدلاً من محاولة كسب صداقة الفلسطينيين لعلها تُفلح في وساطتها أو في تدخلها لنجاح برنامجها في خدمة المستعمرة الإسرائيلية، فرضت إدارة ترامب وفريقه عقوبات سياسية ومالية على الفلسطينيين، قبل المفاوضات وقبل أن تبدأ واشنطن خطواتها، متوهمة أن العقوبات المسبقة وإضعاف الفلسطينيين ستدفعهم للإذعان وقبول ما يُقدم لهم من فتات مقابل التخلي عن حقوقهم وسلب وطنهم، وبذلك عبرت عن عدائها المسبق للفلسطينيين، وعدم احترام مصالحهم، ورفضها لمواقفهم، مقابل تبني موقف العدو الإسرائيلي، وبهذا فقدت دورها كوسيط وأسقطت دورها كراع لأي مفاوضات محتملة.
هذا ما فعلته واشنطن قبل عقد ورشتها الاقتصادية، وزادت إخفاقاً خلال المؤتمر ومضمونه، وما قدمه كوشنير يتبين ما يلي: 
1- إن الأرقام التي قدمها أرقاماً وهمية وضيعة إذا تم قياسها بالهدف المطلوب خلال السنوات العشر المقبلة.
2- لا توجد ضمانات فعلية لتوفير المبالغ التي عرضها.
3- ليس مضموناً أن العدو الإسرائيلي سيقبل ربط قطاع غزة مع الضفة الفلسطينية عبر الجسر المعلق وفق مشروع كوشنير.
4- لا توجد إشارات دالة حول الحدود وحجم السيادة المعطاة لفلسطين الجديدة المقتصرة على قطاع غزة وما تبقى من الضفة الفلسطينية.
5- ستكون الضفة الفلسطينية، بدون القدس والغور وأراضي المستوطنات، بعد أن يتم ضم المواقع الثلاثة لخارطة المستعمرة الإسرائيلية وللأراضي المحتلة عام 1948، وبذلك تتضح خارطة المستعمرة وخارطة فلسطين الجديدة ونهايتها دولة فلسطينية في قطاع غزة ويُلحق بها مواطنو الضفة الفلسطينية، فهل ثمة عاقل يمكن أن يقبل بمثل هكذا مشروع الذي يمثل القفزة الثالثة للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي: 1. احتلال 48، 2. احتلال 67، 3. ضم 2019,
ثمة حقائق مادية سياسية ملموسة يجب التذكير بها في ظل هذا الدوخان الذي تفعله واشنطن مع العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.
1- هناك أكثرمن ستة ملايين فلسطيني يعيشون على أرض وطنهم فلسطين، لا وطن لهم غير فلسطين.
2- هناك أكثر من ستة ملايين فلسطيني من المشردين خارج وطنهم يتطلعون للعودة إلى المدن والقرى التي طردوا منها واستعادة ممتلكاتهم فيها ومنها.
3- على أرض فلسطين شعب يرفض الاحتلال والظلم والاستعمار والتغييب وسيواصل نضاله حتى يستعيد كامل حقوقه غير المنقوصة سواء في مناطق 48 أو مناطق 67، أي على كامل أرض فلسطين.
4- تتوفر التعددية السياسية بين صفوف وقناعات الشعب الفلسطيني، بين فتح وحماس والشعبية والديمقراطية والجهاد والمبادرة، ولذلك لا يملك فصيل أو زعيم الإدعاء أنه يمثل الشعب الفلسطيني بمفرده، وهذه ضمانة في عدم تورط فتح رغم التنسيق الأمني وتورط حماس رغم التهدئة الأمنية مع العدو الإسرائيلي في قضايا حقوق الشعب الفلسطيني الجوهرية.
5- قرارات الأمم المتحدة هي المرجعية لحقوق الشعب الفلسطيني بدءاً من قرارات التقسيم والدولتين 181، إلى قرار حق العودة 194، إلى قرار الانسحاب وعدم الضم 242، وليس نهاية بالقرار 2334 القائل بعدم شرعية الاستيطان في القدس والضفة الفلسطينية.
فترة ترامب وطريقه ستمضي كما مضت مع من سبقوه، وسيبقى ما هو على الأرض، وشعب لن يزول، وعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة لشعبها.

حمادة فراعنة