0020
0020
previous arrow
next arrow

التغيير الإيجابي علم وثقافة وعقل…لماذا لا نتغير للافضل؟!

 كتب. د . يوسف العجلوني 

الإنسان الذكي يسعى دائماً للتحصيل والتفوق والإنجاز، ويستمتع بأن يتميز عن غيره، فيجند أفكاره ومهاراته وخبراته لتحقيق ما يرغب به من أهداف مالية أو وظيفية أو اجتماعية، ولذلك من العقل والحنكة أن يفكر الإنسان الناجح دائماً بالتغيير كأسلوب للتأكد من أنه يسير في الطريق الصحيح إلى النجاح، أو أنه يجب عليه تغيير المسار إلى الطريق الصحيح لتكون حياته أيسر، وتحصيله من السعادة أكثر.

التغيير يعني تبديل الأشياء القديمة بالأشياء الحديثة، ممكن البالية منها أو التي لا زالت تُستخدم، ولكن السبب هو توفر ما هو أحسن أو أنسب منها، وحان وقت التغيير لوجود مستجدات وأحداث لحياة أفضل، فيها مواكبة للتطور والتقدم والمدنية، وفيها التفاعل والتعامل مع الواقع بما يتطلبه الموقف.

التغيير مطلب هام لتطور الحياة وتحسينها في جميع الجوانب؛ يبدأ من النفس بكل ما تحويه من شعور وتصرفات، ويكون في الوعي المجتمعي والتفكير والمواقف والمبادئ التي يمكن تغييرها. وأدوات التغيير تكون باستخدام التفكير الواقعي والتحليلي والتأمل والاكتشاف والاستنتاج، وممكن بالإستفادة من الخبرات الماضية للشخص نفسه والآخرين.

التغيير ممكن أن يكون إيجابياً أو سلبياً؛ فيكون إيجابياً عندما تكون الطريقة التي ينظر فيها الإنسان للعالم من حوله تنعكس إيجاباً على أخلاقه وتصرفاته، ويفسر الأحداث بناءً على الجانب الجيد منها، ويتجاهل الجانب السيء فيها، مما يجعل الأمور تسير نحو الأفضل. بينما التغيير السلبي هو أن يركز الإنسان على السلبيات التي حدثت في الماضي، ويقلق ويخاف من المستقبل، ويعيش في الحاضر بأحاسيس واعتقادات سلبية، تجعل حياته مليئة بالمشكلات والعراقيل، مما يؤدي إلى صعوبة العيش وتعثر التعامل مع الناس.

التغيير إلى الأفضل هو تطوير النفس والارتقاء بها، وهو شيء جميل ومرغوب به، فيه يتم تهذيب النفس وتقويتها، فيفرح القلب وترتاح الروح. وليس له وقت، فمن الممكن أن يكون في كل الأعمار والأحوال والأوقات، ويحتاج لفكر وإرادة، ثم يتم تحديد الأهداف المطلوبة من التغيير، ويكون الإستعداد للبدء بهمة عالية، وأمل كبير لمواجه كافة التحديات التي ممكن أن تنتج، ويتم التعامل معها بمرونة ويسر.

هنالك أناس لا يعرفون معنى التغيير، ولا يحبون أن يعرفوه، وهنالك أناس يعرفون ماهية التغيير وضرورته، ولكنهم يقاومونه، ممكن لمصالح شخصية، أو لعقلية صعبة وعنيدة، ويتحججون بما يسمونه الثوابت والمسلمات والمعتقدات، التي تمنع التطور والتفكير. وهنالك أناس يسمعون بالتغيير ويرغبون به، ولكن ليس عندهم القدرة، أو لا يستطيعون التغيير أو تمنعهم الظروف التي يعيشونها.

في النقاشات المثالية والمجالس العامة، كل الناس يريدون تغيير العالم إلى الأحسن، ولكن لا أحد يُفكر في تغيير نفسه، مع أن المنطق يقول أن التغيير يجب أن يبدأ من تغيير النفس، وجعلها منفتحة على العالم والحياة، وترضى بالواقع، مع التفكير المستمر بالتغيير إلى الأفضل ومحاولة ترك المستنقعات، والصعود إلى القمة بثقة وأمان.

تغيير النفس وتطوير الذات ودرجته يعتمد على مستوى العلم والمعرفة والخبرة في الحياة، ويكون بالسعى إلى تحسين المؤهلات والإمكانيات الشخصية بتحسين ورفع القدرات العقلية وتطوير مهارات الإتصال والتواصل، ويكون بالقدرة على التعامل مع المواقف الصعبة أو المفاجئة، وحل المشكلات التي تنشأ، وتربية النفس وتدريبها على السيطرة على الاضطرابات النفسية، وجعلها أكثر مهارة وقوة في السيطرة على النفس والمشاعر وردود الفعل، ومعرفة نقاط القوة وتعزيزها، ونقاط الضعف وتجاوزها وتحسينها، والاهتمام بالعمل والوقت، والاعتذار عن الخطأ، ومعاملة الناس بما يظهرونه وليس على توقع واحتمال ما يخفونه.

التغيير يجعلك تتخلى عن الأفكار السلبية والتشاؤم، وتستبدلها بالأفكار الإيجابية والتفاؤل، التغيير يمكنك من النظر إلى مستقبل جميل، التغيير يجعلك تستمع لما يقال دون مقاطعة أو اعتراض، ويجعلك تتقبل الرأي الآخر، وتستفيد من آراء وخبرات الآخرين، التغيير يجعلك إنساناً عصرياً تفهم النفسيات من حولك، وتعطي كل ذي حق حقه، التغيير يجعلك تحاسب نفسك، ولا تستعجل الحكم على الناس، ولا تفسر الأحداث كما أنت تريد، ولا تقسو على الآخرين، التغيير يجعلك تنسى الماضي وماذا كنت وما هي سلطتك ونسبك، وتتعامل مع الناس بأدب واحترام وتحفظ كرامتهم وضعفهم.

الإنسان الذي يقاوم التغيير يبقى في نفس المكان، دون أية خطوة نحو الأمام؛ مطبقاً ما يقال: ” ومن لا يهوى صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر”، هو لا يريد التغيير ممكن لأنه يشعر بأنه يعرف كل شيء، أو أنه اكتفى من احتياجه إلى العلم والمعرفة، أو أنه يرى نفسه فوق الجميع، ويحسب نفسه متكاملاً ويعرف كل شيء، ممكن لأنه يخاف من الفشل في التغيير، ممكن لأنه لا يمتلك الإمكانات للتغير، ممكن لأنه يعيش في روتين تعود عليه ويقوم بنفس الأعمال التي يتقنها مكرراً، مما يجعله يرفض الجديد الذي ممكن أن لا يجيده، أو تنقصه الكفاءة للتغيير، ممكن لأنه يخاف من المجهول، ممكن أنه مرتبط بالوضع الحالي، ويخاف من الوضع الجديد بعد التغيير، ممكن لأنه يعاني من مشكلة في الاتصال والتواصل تجعله غير قادر على التفاعل مع التغيير.

الانفتاح الفكري والثقافي ضروري حتى يتم التغيير، ولا بد أن تكون هنالك رغبة لدى الشخص في تغيير نفسه. يجب أن تكون لديه القناعة والإيمان بأن الأفضل قادم، وأن لا يخاف من احتمال الخسارة، بسبب وجود خطط بديلة، ومهما كانت النتائج، فالتغيير تجربة وخبرة لها فوائدها المستقبلية.

التغيير يحتاج إلى إرادة قوية ومهارات، وقرار واضح، وعمل جاد دؤوب، وبذل الجهد والوقت، ويحتاج إلى فكر وقناعات واهتمامات وقدوات وعلاقات، وبيئة مناسبة، وإنسان محب ومؤمن بواجبه، متفتح الذهن ومرن ومستعد للخدمة العامة، لذلك المتحجرون والمتصلبون لا يمكن أن يتطوروا أبدا.

الإنسان كائن تبريري، يبرر لنفسه أي فعل ويغير ويموه الوقائع (مهو، مهو) لتتلاءم مع مايريد ويناسبه، ويبقى يتجاوز
كل القواعد العقلانية والبراهين العلمية، ويبرر أفعاله رغم عدم صلاحيتها للتطبيق، لأنه قد اتخذ الموقف مسبقاً ولا يريد التغيير، أو أنه لا يستطيع السير فيما هو جديد، لأن هنالك تصورات وأفكار تربى عليها، أو بخاطره رغبات ذاتية أو مصالح لا يريد أن يفصح عنها.

الأشخاص العنيدون يعانون من قلة المرونة في سلوكهم، ويرون أن أي محاولة للتغيير ليست إلا تحدياً شخصياً لهم، لذا تجدهم في حالة تأهب دائم، يهاجمون أي شخص يحاول مناقشة أفكارهم، ولا يتقبلون المعلومات ولا الأفكار الجديدة، ولا يتقبلون الرأى الآخر ولو كان صواباً.

العناد يؤدي إلى حدوث خلافات وصدامات متكررة، ولا يدرك الأشخاص العنيدون ذلك، لأنهم مقتنعين أنهم في الطريق الصحيح، وأن الناس الآخرين هم الخطأ، ولكن إذا حدث وتفهموا ما يحدث حولهم، أو جائهم الوحي، وعرفوا درجة الإزعاج الذي يسببونها لأنفسهم وللآخرين، ممكن أن يقتنعوا بالتغيير من أجل التخفيف على أنفسهم، فيبدأوا باكتشاف طرق التعامل الأسهل، وذلك يعود بالنفع عليهم، ويدركون أنه أحياناً كسب القلوب خير من كسب النقاش، ويقتنعون داخل أنفسهم أن الكثير مما مر بهم من ألم ومعاناة كان بسبب العناد، ويبدأون يتذوقون ويستمتعون بقيمة النظر إلى الأمور من منظور مختلف، ومن زاوية مختلفة، ويصبح أسهل عليهم أن يتقبلوا الرأي الآخر، ولذلك يجب مساعدتهم والتعاطف معهم وتشجيعهم على الاستمرار بالتغيير إلى الأفضل، والتوضيح لهم أن ذلك لا يقلل من هيبتهم ولا يؤثر على كيانهم، والحياة حلوة بس نفهمها.

الأشخاص الأقوياء عندهم مرونة ويعرفون كيفية تقديم التنازلات عند الضرورة، ولا يضرهم سماع الأفكار المختلفة ويتقبلون الرأي الآخر، بينما الأشخاص العنيدون يحاولون أن يظهرون أقوياء وغير قابلين لأن يقهروا، إلا أن ذلك مجرد واجهة، فالعناد غالباً ما يكون إشارة إلى عدم الشعور بالأمان وطريقة لحماية أنفسهم من خوفهم الكبير من الخسارة.

التفكير الإيجابي مريح ودائماً يزيل التفكير السلبي المحبط، ويجعلنا نقبل التغيير إلى الأحسن، ويجعلنا نعيش بسهولة وقناعة أكثر، متفائلين وواثقين بأنفسنا، ولا نعطي الأمور أكبر من حجمها، ونكون صبورين في تحمل الصعاب والمتغيرات.

الثقة بالنفس عامل مهم في تطوير الذات، وهي عنوان النجاح، وتعطينا القوة والإصرار في مواجهة الصعوبات والتحديات والاختلافات الفكرية والمجتمعية، وتسهل علينا التغيير، وإيجاد حل لكل مشكلة وليس إيجاد مشكة في كل حل. الشخص الواثق بنفسه لديه القدرة على الإبداع والابتكار، في نفس الوقت لا يهمه من ينتقص من قدراته وما يقوم به، بل هدفه تحقيق ما يخطط له.

العلم والثقافة والمثابرة والخبرة والصبر تجعل فرصة التغيير أقوى ويكون الطريق أسهل، وسالك بدون عراقيل، ومع الوقت تصفى النفس من العصبية والعناد والنكد، ويصبح لدينا الوقت الكافي لأن نركز على نقاط قوتنا وكفائتنا وسعادتنا، وتتحسن إدارتنا للأمور، وتزداد إرادتنا وتصميمنا على التقدم البناء، فيكون التفكير أفضل وأحسن، وتكون القرارات أكثر دقة وصحة، ويتم تحقيق الأهداف، وتتغير حياتنا إلى الأفضل والأسهل، ونرتاح نحن ومن حولنا، ونخلص من الكثير من الأسباب التي تؤدي إلى الأمراض النفسية والمجتمعية، فيظهر التحسن والتفاعل مع كل الأحداث الجديدة بإيجابية وسهولة وسماحة.

حتى يتم التغيير إلى الأفضل؛ يجب أن يكون هنالك رغبة في التعلم وتقبل كل ما هو جديد، وعدم الخوف من التجربة والفشل والخسارة لأنهم أدوات للخبرة والنجاح. يجب ترتيب الأولويات حسب الأهمية، والعمل عليها بتوازن ومرونة. يجب التمرن على أمور الإدارة والقيادة. يجب التدرب على التكيف مع كل الظروف الجديدة، وعدم خلق جو من القلق والتوتر والاكتئاب. يجب مخاطبة الناس على قدر عقولهم إذا أمكن ذلك. يجب القيام بالأعمال والمهمات بفكر وروية وثقة ورغبة، لأن الاستمتاع بالعمل يؤدي إلى الإبداع. يجب الإلتزام بالقول والفعل، وعمل الصواب بما يخص الأمور الشخصية، وقول الحقيقة للناس إذا توفر رجالها ومكانها ووقتها، وإذا كان هنالك مجال لسماعها.