0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
previous arrow
next arrow

من نافذة الطائرة

أواخر رمضان ..لا صوت يعلو على صوت عجلات الحقائب فوق أرضيات المطارات ، مسافرون مندفعون نحو بوابات الدخول، طوابير على الجوازات، عائلات المغتربين تلملم أغراضها وتعدّ الأفراد مع كل نقطة عبور ، وين حمود، وين عبود، وين مريم، قراءة صامته في عيني موظف التدقيق وموظف الحجوزات وموظف التفتيش الأخير ..وما أن يبتلع قشاط التوزين “الحقائب الثقيلة” والمعلّمة في الغالب بعلامة جهة اليد..حتى يرتاح المسافر ويبدأ يتصرّف بطريقة أكثر سكينة ووقاراً..

 

للسفر رائحة!! لا يشتمها إلا من دبغ يوماً في دمع الغيوم الشاهقات، او نام ليلة  ترانزيت على كراسي “الستيل ” بانتظار طائرته الموعودة…

 

المكوث في صالة الانتظار قبيل الدخول الى الطائرة يعادل شهور الغربة الطويل..فيه ترى تقرأ روايات العائدين الى مدنهم وعائلاتهم من خلال حركات أيديهم ، واستدارة أعينهم ، ومن خلال عبثهم في أجهزتهم المتنقلة كل لحظة للتأكد من استلام رسالة أو إرسال رسالة تفيد قرب الإقلاع..وعندما يفتح الباب للدخول تصبح الطائرة وطناً متنقلاً…يجلس المسافر في “شقفة” وطنه..يشد حزام الشوق على خصره..ويبدأ يراقب آخر من يراه في مدرج المطار..

 

سيارة خدمات، عليها شواح أصفر تمر تحت الطائرة ، وأخرى تنزل تحت طائرة شارفت على الإقلاع ، عامل أسيوي يرتدي درعاً فسفورياً ، يقوم بعمل عاجل في الجهة المقابلة، الوقت أمام نافذة الطائرة أيضاَ طويل..فيه تكتشف تشققات في أرضية المدرج، وترى حرارة الشمس اللاهية وهي تغلي فوق بناء “المغادرين” ، سيارة “ترولي”  تحمل حقائب وحقائق وأحلام  المسافرين جميعاً  تأوي بحنو تحت الطائرة كما يحن صغير البجع الى حضن أمه..المسافرون يتوافدون في ممر الطائرة الضيق..الحقائب اليدوية توضع في الرفوف العلوية والمضيفات يقمن بالتأكد من سلامة الوضعية..المتاح الآن جداً قليل من نافذة الطائرة…فقط بعض سيارات خدمات المطار، وبعض الزوايا المشغولة بالصمت.. تدقق النظر قليلاً بجناح الطائرة، فتكتشف للمرة الأولى انه  يحمل “تباشيماً” وبراغي ضخمة وأرقاماً وأحرف بالانجليزية لا يمكن لأحد ان يفسرها الا من عمل بصيانة الطائرات..تسمع أصوات طاقم الطائرة كأنها وشوشوات عابرة…أصوات تنبيه لحزام الأمان..ثم مشي بطيء لهذا الكائن السماوي..تتسارع ..تتسارع..تتسارع…والقلب يتسارع..وعندما تقرر الافلات من المدرج..تشعر بحزن غريب على المكان وعلى “الروتين” الذي تركته مغطى بشراشف بيضاء هناك…تصغر المباني وتتضاءل البيوت.. تصبح الشوراع مجرد عروق في ذراع الدولة…تصعد الطائرة العالية…فتزفّها الغيوم بتناتيف بيضاء مثل ورق الورد…فيغطي البياض مستطيل النافذة الضيق ويغطي الجفن المثقل بالحلم والشوق والسفر..

 

 

 

احمد حسن الزعبي