0020
0020
previous arrow
next arrow

الطلبة السوريين بالجامعات الأردنية.. شهادات عاجزة وسوق عمل مغلق

وكالة الناس ــ لم يشفع لي تميزي ودراستي بأن أدخل سوق العمل الاردني وأمارس مهنة الصحافة”، بهذه الكلمات بدأ الشاب السوري عبدالرحمن زين العابدين بعد تخرجه من الجامعة بمعدل 96.1 بتقدير امتياز من قسم الصحافة بكلية الإعلام العريقة في جامعة اليرموك الأردنية.

لجأ عبدالرحمن إلى الأردن في العام 2012، وعند لجوئه كان حاصلا على شهادة الثانوية العامة (التوجيهي) من بلده سوريا، ليصطدم عبدالرحمن بالتكاليف المرتفعة للدراسة في الجامعات الأردنية، إذ بقي 5 سنوات بعيدا عن دراسته، حتى استطاع الحصول على منحة بعد 4 مرات تقديم، ويختار تخصص الصحافة.

ويصطدم آلاف الطلاب السوريين في الأردن بقانون العمل الأردني، والذي يحدد مهنا مغلقة ومقيدة امام غير الأردنيين ومنهم السوريين، لكن هذه الصدمة متأخرة إذ لا يعلم العديد منهم عن هذه المعلومة إلا بعد أن يقطع مشوارا طويلا في مسيرته الجامعية.

 

يرى الخبير الاقتصادي حسام عايش أن الأردن كان من أكثر الدول والمجتمعات التي تعاملت مع السوريين بدون حواجز وتمييز، فضلا عن إدماجهم بالنظام الاقتصادي الأردني، والسماح لهم بالحصول على تصاريح عمل في قطاعات اقتصادية مختلفة.

ويعتقد عايش أن السوريين لهم وضع خاص في الأردن، وأنه مع فتح فرص المنافسة  أمامهم ولو بالكوتا في المهن والوظائف المحظورة عليهم.

ويضيف عايش أنه تم السماح لهم بالدراسة في الجامعات الأردنية، كما أن الدراسة ليست شرطا للحصول على فرصة عمل، مشيرا إلى أنه يوجد قطاعات تم تخصيص الوظائف فيها للأردنيين بسبب نوعيتها وتوفير الفرص بعيدا عن المنافسة مع غير الأردنيين.

ويكمل أنه مع إتاحة فرص العمل للجميع لكن هناك ظروف يجب التخصيص فيها.

ويتسائل، كيف سيستفيد الطالب السوري من دراسته الجامعية ويحولها لقيمة إنتاجية؟.

وحالة السوري عبدالرحمن ليست بعيدة عن حالات آلاف من الطلبة السوريين في الجامعات الاردنية، إذ يدرسون في تخصصات جامعية ليتفاجئون لاحقا بأنها مهن مغلقة او مقيدة ومن شبه المستحيل أن يعملوا بها بشكل قانوني.

 

حل مهم

ويشير إلى أن من يدرس ليس شرطا أن يجد فرصة عمل في الأردن، مضيفا أن هذا يستدعي أن ينبه الأردن المجتمع الدولي بأهمية الوفاء بالتزاماته بخطة الاستجابة للجوء السوري. ويطرح عايش حلا مهما لهذه الإشكالية، وتحويل التحدي إلى فرصة حقيقية من خلال أن يكون هناك فرص توفرها الاستجابة بالسماح للسوريين بوجود فرص عمل وذلك من خلال إقامة مناطق صناعية قريبة من الحدود الأردنية – السورية، وبما يضمن أن  يكون جسرا للعلاقات الأردنية السورية مستقبلا وتحويلهم كسوريين لمنتجين بدل أن يكونوا مستهلكين وينتظرون المساعدات.

ويتابع أن أعلى نسبة التزام من المجتمع الدولي تجاه الأردن بخطة الاستجابة لم تتجاوز 50%، موضحا ان الحل يكون بإقامة مشاريع يستفيد منها السوريون والأردنيون على حد سواء، بما يؤدي لزيادة المشاريع الاستثمارية ويكون مدخل اقتصادي جديد وإقامة مشاريع لتوظيف سوريين وأردنيين.

ويشرح عايش أنه يمكن للأردن استثمار الحالة السورية لاستقطاب استثمارات ودفع الدول المعنية باللجوء السوري للوفاء بالتزاماتها بإقامة مشاريع يستفيد منها الجانبان الأردني والسوري، وأنه إذا ما عاد الوضع في سوريا تؤول هذه الفرص للأردنيين ليعملوا بها.

ويوضح أنه عن طريق تلك الفكرة يكون استثمار ما يمكن اعتباره معضلة وتحويلها لفرصة حقيقية.

ويتابع أننا لسنا ضد عمل السوري ومع فتح فرص عمل للأردنيين، وهذه يتضمن مصلحة للأوروبيين في الاستثمار بالأردن، وذلك بإبعاد فكرة الهجرة عن السوريين عند إيجاد فرص عمل لهم في الأردن، وأن يركز الأردن على هذا الجانب لجذب الاستثمارات القوية.

 

إحصائيات

ويبلغ عدد اللاجئين السوريين في الأردن 1.3 مليون شخص.

ووفقا للأرقام التي نشرتها الحكومة الاردنية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فقد تم في عام 2021 إصدار 62 ألف تصريح عمل للسوريين، وهو أعلى رقم سنوي منذ استحداث تصاريح العمل للاجئين السوريين.

وبحسب الناطق الإعلامي باسم وزارة التعليم العالي الأردنية للخطيب في حديث لـ “خبرني” فإن عدد الطلبة السوريين يبلغ ٦١٣٩ آلاف طالبة وطالبة في جميع مؤسسات التعليم العالي بغض النظر عن التخصص والدرجة.

وأظهرت دراسة استطلاعية أجرتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومركز نماء للاستشارات الاستراتيجية أن 92% من الأردنيين يقولون إنهم متعاطفون مع اللاجئين.

 

نظرة قانونية

وينص قانون العمل الأردني على عدم السماح بعمل غير الأردنيين في العديد من المهن، فيما يعرف بالمهن المغلقة والمقيدة، ومن أهمها المهن الإدارية والتعليمية والهندسية والطبية وقطاعات الإعلام والبنوك والعديد من القطاعات والمهن الأخرى.

ووفقا لوزارة العمل فإن المهن المغلقة هي مهن مغلقة أمام العمالة غير الأردنية أي لا يسمح لغير الأردنيين العمل بهذه المهنة، حيث تعتبر هذه المهن محصور مزاولتها فقط بالأردنيين. وتعرف الوزارة المهن المقيدة بأنها مهن لا يسمح لغير الاردنيين بمزاولتها الا ضمن حالات وشروط معينة.

فيما يرى مراقبون أن وزارة العمل الأردنية تغض النظر عن السوريين العاملين في بعض القطاعات المغلقة والمقيدة للوفاء بالالتزامات الدولية من الدول والمنظمات التي تدعم السوريين.

 

تجربة

يقول حسن الرحمون إن قلة المنح الدراسية من جهة وسوق العمل المشبع بكافة المجالات من جهة أخرى من أكبر المشاكل التي تواجه الطلبة السوريين في الأردن، موضحاً أنه ما بين عامي ٢٠١٢ و ٢٠١٧ قدم أوراقه مرتين لمنحة مدعومة من الاتحاد الأوروبي و ٤ مرات لمنحة أخرى مدعومة من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ولكن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل، إلى أن تم قبوله في محاولته الأخيرة في منحة مدعومة من المفوضية عام ٢٠١٧ لدراسة تخصص الصحافة في كلية الإعلام في جامعة اليرموك، وتخرج في عام ٢٠٢١ بمعدل ٩٥٪ .

وبإحساس بالحسرة، يؤكد الرحمون أن المشكلة لا تنتهي عند التخرج، فعلى الرغم من أنه تخرج بمعدل ٩٥٪ وخضع لتدريبات صحفية وإعلامية عديدة كبيرة، كل ذلك لم يشفع له بأن يحصل على فرصة عمل، ليس في الأردن فقط بل في أي دولة عربية.

الأمر الذي دفعه للبحث عن فرصة للعمل أو لإكمال دراساته العليا خارج الوطن العربي وهو الآن يدرس ماجستير الصحافة في جامعة بتركيا.

ويوضح الرحمون أنه لم يكن يرغب بمغادرة الأردن التي وجد بها منزلاً دافئاً وأهلاً طيبين عاش بينهم ٩ سنوات، إلا أن قلة فرص العمل ولا سيما في قطاع الإعلام هي ما أجبره على البحث عن فرصة أخرى خارج الأردن.

 

موقف التعليم العالي

يؤكد الناطق باسم وزارة التعليم العالي مهند الخطيب أن الطالب الغير أردني سواء كان من الجنسية السورية أم غير ذلك فهو حر في التخصص الذي يرغب بدراسته.

وأضاف الخطيب أن الطالب الغير أردني إذا طبق الشروط الاساسية للطلبة غير الأردنيين فإن الوزارة لا تمنعه من الدراسة بل تسمح له بذلك.

وأضاف أن الوزارة تشجع الطلبة غير الأردنيين على الدراسة في الجامعات الأردنية.

 

وجهتي نظر

ويتساءل زين العابدين أنه إذا كان هناك شخص متفوق في تخصصه ويعيش في الأردن لماذا لا يتم الاستفادة من علمه وابداعه؟.

ويوضح أن تخوفه من القانون جعله يتخوف أيضا من العمل في المجال الإعلامي (الذي يعتبر من المهن المقيدة وفقا للقانون الأردني)، كونه يعتبر مخالفا للقانون مما يعرضه للمساءلة القانونية والخطر.

ويبين زين العابدين أن هذا الأمر “دفع الكثير من الخريجين الجامعيين السوريين الاتجاه إلى المهن المفتوحة مثل التحميل والتنزيل والزراعة وغيرها”.

ويشير إلى أنه عندما بدأ بدراسة الصحافة لم يكن يعرف انها من ضمن المهن المقيدة، ولم يكن يعرف أصلا بوجود مهن مغلقة ومقيدة.

ويكمل زين العابدين “هالشي سببلي صدمة كبيرة لانه دراستي رح تكون عالفاضي، ولانه معظم التخصصات تعتبر مهن مقيدة مغلقة امام الاجانب وليس السوريين فقط”.

ولا يعترض الشاب السوري زين العابدين على تقييد الأردن الوظائف، موضحا أن فرص العمل قليلة وانه من حق ابناء البلد التوظيف.

ويشرح أن للموضوع وجهتي نظر، “فمن حق الأردنيين أن يعملوا والموضوع ليس ناتج عن عنصرية، ولدي اصدقاء وزملاء اردنيين ولم أتعرض للعنصرية لكن القانون الأردني ونتيجة الازمة الاقتصادية تم سن قانون منع مهن معينة على الاجانب”.

ويتابع “وجهة النظر الثانية انه اذا كان لديك ناس متفوقين ما المانع ان تستفيد منهم خصوصا اننا بعصر الانفتاح ويجب التأقلم على الاختلاط، واستثمار الجنسيات الاخرى والطاقات البشرية لتطوير وتنمية البلد”.

 

ماذا تقول العمل؟

ووفقا لبيانات وزارة العمل التي اطلع عليها معد التقرير فإن الوزارة تقول إن وجود مهن مغلقة أو مقيدة تساهم في تنظيم سوق العمل الأردني وعدم السماح للعمالة الوافدة بإشغال مهن عليها اقبال من الأردنيين” وأن “هذا ما تسعى اليه وزارة العمل لتوفير فرص عمل للأردنيين في مختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية في كافة المحافظات”.

وتشرح الوزارة أنها تشترك مع كل من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة العمل الدولية في ايصال الرسائل والمعلومات الرسمية والصادرة عن وزارة العمل بهدف توعية اللاجئين السوريين بالقرارات والإجراءات والتحديثات المتعلقة بتنظيم تواجدهم في سوق العمل الاردني.

ووفقا للوزارة فإن ما ينطبق على العمالة الوافدة ينطبق على السوريين بالمهن المغلقة والمتخصصة.

 

رأي تربوي

ترى رئيسة قسم العلوم التربوية في جامعة البتراء الدكتورة اسيل شوارب، أن الشهادة علم، وأن أي تخصص يدرسه الطالب هو علم له، وان أي تخصص دراسي فهو مفيد ويساعد الطالب، ويجعله مهيئا لسوق العمل.

وتضيف شوارب أن التخصص الجامعي لا يعني وظيفة، وأن نهايته من الممكن أن تكون وظيفة أو دراسات عليا أو مشاريع ريادية، وأن هذا الحديث ينطبق على الطلبة السوريين والأردنيين والجنسيات الأخرى على حد سواء.

وتكمل أنه في ظل محدودية فرص العمل وشح الوظائف فإن المهن مغلقة تعتبر حقا للطلبة الأردنيين، وأنه يوجد بدائل أخرى عند الطلبة من جنسيات أخرى.

ووفقا لشوارب فإن السياسات والتعليمات بوجود مهن مغلقة ومقيدة لها مبررات ولم تأتي من فراغ، وأنها ليست مطروحة للتغيير.

 

أمثلة ناجحة

وتطرح الدكتورة شوارب أمثلة لطلبة سوريين أفادتهم دراستهم الجامعية في مهن مقيدة أو مغلقة في فرص أخرى، مشيرة إلى انها قابلت طالبة سورية أكملت دراستها بتخصص هندسة عمارة، وأنها لم تعمل بهذا التخصص كونه من المهن المغلقة على غير الأردنيين، وانها ذهبت تعمل بمجال مفتوح في مجال الأعمال اليدوية.

وتوضح أن الهندسة أعطتها المجال والذوق والفهم، كما أن الطالبة وجدت لنفسها فرصة عمل مهمة في الاردن وغير الاردن.

وفي مثال آخر تشير الدكتورة إلى طالبة سورية درست معلم صف وهو تخصص مغلق أمام غير الأردنيين، وأنها وجدت طرق أخرى لتستفيد من دراستها فأصبحت تعمل على أساليب تدريس الأطفال وتسوقها عن طريق وسائل السوشال ميديا.

وتضيف أن التخصص والدراسة أعطتها المهارات الأساسية، وعندما وجدت أن المجال مغلق اتجهت لمجال آخر استفادت فيه من دراستها ووجدت لها دخل.

وتؤكد أنه من المهم مساعدة الخريجين في الوقت الحاضر، سواء كانوا أردنيين أم سوريين أم غير ذلك، وذلك لتوسيع مداركهم وإيجاد فرص في ظل شح فرص العمال المعروضة.