0020
0020
previous arrow
next arrow

لقاحات تربوية ضد التطرف

من قالوا ان درهم وقاية خير من قنطار علاج لم يجدوا آذانا صاغية، شأن كل المواعظ الممنوعة من الصرف ميدانيا ، فالوقاية هي تعبير عن فلسفة اعمق وأشمل مما يظن البعض، انها فلسفة التدارك قبل فوات الاوان، واللقاحات ليست فقط عضوية من الكوليرا والجدري وسائر الاوبئة، انها ايضا سياسية وسايكولوجية ولها أمصال من طراز آخر . ولو كان العالم يدرك ان فيروس التطرف سوف يتأقلم مع كل العصور لاخترع له لقاحا تربويا، لا يترك ندبة مزمنة في اليد كما حدث لنا ونحن اطفال عندما كان يسمى اللقاح « قُرِّفِيّة « ، ولا ادري ما اذا كان هذا الاشتقاق من القرف او القرفة او اي مصدر آخر . الامصال المضادة للتطرف والعنف وثقافة النبذ والاقصاء المتبادل هي افكار اولا وتربويات تتسلل الى النفس والعقل من مناهج الدراسة والتربية المنزلية واساليب التعليم في المراحل الاولى . ولأن العالم لم ينتبه الى هذا النوع من امصال اللقاح خسر الوقاية ولم يكتسب المناعة، وها هو يدفع الثمن، فالمجتمعات كما قيل قبل ألفي عام تفرز ما تستحق من الفضائل والرذائل والقضاة والمجرمين والابطال والخونة لأنها تنتج هؤلاء جميعا من ثقافتها وأمثالها الشعبية وانماط تفكيرها وسلوكها . ورغم كل ما يقال عبر الشاشات والصحف عن البعد التربوي والثقافي للحرب على الارهاب الا ان ما يقال يبقى مجرد كلام موسمي سرعان ما يسدل عليه الستار بانتظار مناسبة اخرى . ومن اخفقوا في تخفيف المنابع المالية للإرهاب لن يحالفهم الحظ في تجفيف منابعه الثقافية والتربوية، لأنهم غير جادين في اي شيء لا يتعلق بالسياسة على نحو مباشر، ومن حقنا بعد كل هذا الدّم الذي امتد خيطه من آسيا الى افريقيا مرورا بامريكا واوروبا، ان نتساءل عن الثقافة المضادة للتطرف واين هي وفي اية كتب او فضائيات ؟ وهناك كتب ملغومة بالتحريض تملأ الارصفة والاكشاك ، كما ان هناك فضائيات تحولت الى غرف عمليات وخنادق تعج بالمحرضين على الكراهية والانتقام، ومقاومة كل اشكال التعايش بين البشر على اختلاف الثقافات والعقائد . حبذا لو يعثر الخبراء والعلماء الذين يبشرون بالسلم الاهلي على لقاح تربوي لا يترك ندبة في الذراع بل يتنامى في العقل والدم ليكون درهم الوقاية من هذه القناطير من الاوراق السامة !!