0020
0020
previous arrow
next arrow

جيش أوروبي «مُوَحّد».. حقيقة أم بالون اختبار؟

في اوروبا «الموحدة» اي في الاطار المسمى «الاتحاد الاوروبي»، الذي بدأ يواجه اسئلة «وجودية» حقيقية, تتعلق بمستقبله السياسي والتنظيمي (دع عنك الاقليمي كقوة ذات دور لا يمكن الاستهانة به حتى في ظل الهيمنة الاميركية شبه المطلقة على قراراته وتوجّهاته, كقزم سياسي وعملاق اقتصادي)، بعد ان بدأت دول عديدة تفكر بالهروب من سفينته الجانحة وتسعى لاجراء استفتاءات شعبية يراد من ورائها الاستناد الى تفويض شعبي بالانسحاب أو البقاء, على ما تهدد به بعض الاحزاب البريطانية وخصوصاً وهي على ابواب انتخابات برلمانية حاسمة, قد تطيح حكومة ديفيد كاميرون وحزبه المحافظ, الذي ما يزال خلف حزب العمال بأربع نقاط على ما تقول استطلاعات الرأي الاخيرة، دون إهمال أثر التعثر الاقتصادي الذي يصل الى حدود الافلاس والمديونية العالية التي تعيشها دول اعضاء في الاتحاد مثل اسبانيا وايطاليا والى حد ما فرنسا وخصوصاً اليونان التي تُلوِّح قيادتها اليسارية الجديدة والمتمثلة برئيس الوزراء اليكسيس تسيبراس الذي يقود حزب سيريزا الراديكالي، الذي لم يكتفِ برفض شروط «الترويكا» الاوروبية التي يشكلها البنك الاوروبي وصندوق النقد الدولي والمفوضية الاوروبية، لمواصلة تقديم رزمة القروض لمواجهة ازمة السيولة النقدية، وانما ايضاً بمغادرة الاتحاد والتخلي عن عضويته، الأمر الذي سيشكل زلزالاً حقيقياً في بنية الاتحاد ويهدد بسقوط «فكرته» التي بدأت حالمة ومتفائلة ثم ما لبثت ان خضعت لاعتبارات متناقضة عديدة, منها ما يتعلق بـ (حجم) السيادة الوطنية التي يمكن لأي دولة عضو ان تتنازل عنها لمفوضية الاتحاد، فضلاً عن المطالبات الآخذة في التصاعد للحد من حرّية الحركة عبر الحدود المفتوحة بين دول الاتحاد وبخاصة العضاء في اتفاقية «شينغن», ناهيك عن الاختلاف الحاد او المتناقض (لا فرق)، في المواقف السياسية، ازاء الأزمات الاقليمية والدولية والتي ظهرّتها على نحو واضح وجلي الازمة الاوكرانية المتوالية فصولاً وتوتر العلاقات مع روسيا، بضغط اميركي هائل اجبر بعض دول الاتحاد على تغيير مواقفها الرافضة لفرض عقوبات اقتصادية على روسيا او محاولات عزلها، والتي هدّدت ( وما تزال) باندلاع حرب داخل اوروبا نفسها, يمكن أن تُفضي الى حرب عالمية ثالثة, لا يعتقد أحد في انها ستكون في مصلحة أوروبا بقدر ما تخدم المصالح الاميركية ذاتها, التي كانت تخشى وما تزال, من انخراط روسي جدّي وحقيقي في النسيج الاوروبي, يُبعدها في هذا الشكل أو ذاك عن التحكّم بقرار بروكسل, وبخاصة أن ليس هناك تهديداً روسياً عسكرياً جدياً أو حقيقياً, على النحو الذي كانت تغذيه الدعاية الاميركية وتقتات عليه المخاوف الاوروبية المُبالغ فيها أو المُفتعلة, عندما كان هناك معسكر هائل القوة والانتشار اسمه المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي وحلف كبير العدة والعدد اسمه… حلف وارسو..
هل قلنا تهديد عسكري روسي؟
نعم, إذ ثمة في اوروبا, من يتكئ على اوهام كهذه للإبقاء على التوتر بين اوروبا (الاتحاد) واوروبا (حلف الاطلسي) من جهة وروسيا الدولة العظمى الوحيدة من جهة اخرى, والتي هي الان بلا حلفاء كما كانت عليه قبل انتهاء الحرب الباردة, أو ذات تواجد وانتشار عسكري واسع في محيطها أو عبر البحار, وإن كانت لم تفقد كثيراً من قوتها وترسانتها العسكرية, الكفيلة على الاقل بحماية أمنها الوطني ورد الصاع أكثر من صاعين لكل من يحاول المسّ بالسيادة أو الكرامة الوطنيتين الروسيتين, وهو ما أظهرته أحداث ووقائع الأزمة الاوكرانية واستعادة روسيا لاراضيها وحقوقها التاريخية والقومية في شبه جزيرة القرم, واستعدادها للتصدي لأي محاولة لابتزازها أو عزلها أو الرهان على العقوبات الاقتصادية الخانقة, لإجبارها على التخلي عن شعب القرم وقراره الذي عكسه الاستفتاء التاريخي الذي اجري قبل عام ونيّف.
مناسبة الحديث… هو الجدل الدائر حول الاقتراح المثير للسجالات الذي قدمه رئيس المفوضية الاوروبية جان كلود يونكر, والداعي الى انشاء جيش اوروبي موحّد لاقناع (…) روسيا, بأن الاتحاد جاد بشأن الدفاع عن «قِيَمِه», مُفسّراً دعوته الغريبة هذه: بأن الاتحاد يريد ابلاغ روسيا بأن عملياتها العسكرية في اوكرانيا جعلت انشاء جيش اوروبي اكثر إلحاحاً, ضارباً بالطبع على الوتر الاقتصادي الحساس لأوروبا, عبر القول: أن تشكيل مثل هذا الجيش سيُؤدي الى ترشيد الانفاق على المعدات العسكرية وتعزيز اندماج الدول الاعضاء (عددها 28 دولة) في الاتحاد الاوروبي, فضلاً – والقول له – عن أن تشكيل جيش كهذا سيساعدنا على وضع سياسة خارجية وأمنية.. مشتركة».
هنا والان, تبرز الايدي والافكار الاميركية العدوانية والخبيثة التي تريد إبقاء اوروبا تحت سيطرتها ورهن مصالحها, وإلا ما دور حلف شمال الاطلسي الذي «تَمدّده» في اتجاه روسيا لمحاصرتها, هو المشكلة الاساس والاولى في الخلاف الروسي الاميركي, والروسي الاوروبي, والذي (الاطلسي) يحاول إبراز عضلاته في كل لحظة كي يقول لقادة الكرملين أن عصاه الغليظة قادرة على تغيير قواعد اللعبة..
فهل سيُشَكّل جيش أوروبي؟ المنطق يقول بـِ»استحالة» ذلك.