0020
0020
previous arrow
next arrow

التطرف حرب ضد الإنسانية

لم يكن التطرف غائباً في يوم من الأيام، من جريمة قتل قابيل لأخيه هابيل. لكنه اليوم حاضر بقوة. وتجد الإنسانية كلها نفسَها في مواجهة تيارات جديدة أو متصاعدة للتطرّف، إنها معركة ذات ميدانين اثنين: المعركة الحربية والسلاحية، وهي تعتمد على القرارات السياسية والعسكرية والسيادية لكل دولة مشاركة. أما الميدان الثاني، فهو الميدان الفكري، وهو الحرب الأكثر امتداداً من الميدان الحربي والسلاحي. وفي بلدنا الحبيب لدينا الحربان والميدانان. ولا يكاد يخلو يوم من دعوة أو اثنتين للمشاركة في وقفة أو منتدى أو مؤتمر وكلّها تحمل طابع «محاربة التطرف» ومكافحته والتقليل من صعوده، لا بل القضاء عليه نهائيا.
ان التطرّف وأخواته الكراهية والإرهاب والتعصب والإنغلاق والغلوّ ومحاولة إلغاء الآخر، هو فكر قبل أن يكون ممارسة، وهو عقلية قبل أن يكون عملاً ظاهراً أمام العيون.
من هنا، تتطلب المرحلة الحالية تضافر كل الجهود الإجتماعية والعلمية والثقافية والدينية والسياسية لتنقية «العقل» البشري من الفكر المختل أو العقليات المنغلقة والهّدامة. والطريق بلا شك طويلة وشاقة. وقد تكوّنت لدينا في الفترة الأخيرة العديد من التجمّعات والتحالفات بين أطياف عدَة، كل هذا جيد، لكننا لم نصل بعد إلى وضع «وثيقة عمل» موحدة تبين وبشكل علمي – وليس فقط خطابياً- أصول الفكر المتطرِّف وأنواعه وأشكاله. وكذلك سبل التصدي له علمياً وفكرياً وممارسة تربوية.
ومن الأمور الفكرية التي يركز عليها حالياً، هو اصلاح الخطاب الديني، أو تجديده أو تكييفه مع واقع الناس وأوضاعهم اليوم، وقد وجدَت دعوة الرئيس المصري مؤخراً صدى عالمياً واسعاً بأنه «آن الأوان لتقديم الدين بطريقة أكثر إنسانية ولا تركز فقط على «حشو» العقل البشري بانتصارات الماضي وبالشعور بأنه دائماً غالب ومنصور ومتفوق على غيره». وهذا «التجديد» أو «التجدّد»، لا يعني ولا بأيّ شكل التخلي عن معتقدات أساسية وجوهرية بالدين، لكنْ تقديم كل ذلك بطرق عصرية وأكثر انسانية، وابراز انّ الدين ليس خوفا من جحيم وطمعا في نعيم. انّه محبّة الله التي تسري عبر محبّة الأخوة: اي محبّة الله ومحبّة الجار – أو القريب. آن الأوان لإبراز الشراكة الحضارية بين مختلف – ليس الأقليات والأكثريات – بل المكوَنات والعناصر الدينية التي تتكاثف معاً تحت مبدأ، ليس الأقلية والأكثرية، بل المواطنة والمساواة الدستورية والقانونية.
ومن الأمور الهامة كذلك إصلاح المناهج التربوية، بما يغذي فكر الطالب والجيل الطالع، بالثقافة الإنسانية الواسعة، واحترام الآخر ومحبته والتعاون معه وليس إلغاؤه وطرده وتهجيره والنظر إليه من منظار العداوة والإقصاء.
بعد مأساة وشرف الشهادة، لمعاذ الكساسبة، علينا التماسك والتعاضد… والتعاون والابداع في مكافحة التطرف والإلغاء وبالأخص في الميدان الثاني للحرب – أي الميدان الفكري. واذا كان الميدان الأول يخص، بشكل مباشر، المؤسسة العسكرية التي نكنّ لها كل احترام وتقدير، فالميدان الثاني يخص كلّ أطياف المجتمع، بدون استثناء.