0020
0020
previous arrow
next arrow

مطلوب إعادة الاعتبار للدعاة الأصلاء..!!

فيما بدات طبول الحرب تدق ضد “داعش” التي فازت ببطولة التطرف في مونديال التصفيات النهائية لهذا العام ، نكاد نفتقد الصوت الاخر الذي يفترض ان يمثله دعاة الاعتدال في بلدنا.

اعرف ان البعض سيسأل : وهل لدينا دعاة حقا ؟ واذا كانوا موجودين فلماذا لا نراهم على شاشاتنا وفوق منابرنا وعلى صفحات جرائدنا ؟ ثم لماذا -ايضا- نفزع الى الخارج دائما لاستدعاء علماء ودعاة للمشاركة في مناسباتنا الدينية؟ هل نعاني من فقر في هذا المجال الحيوي ام ان “علمائنا” توزعوا بين غائبين بمحض ارادتهم ومغيّبين، واخرين وقفوا بين هؤلاء وهؤلاء ينتظرون الفرصة التي تسمح لهم بالعبور الى الجمهور لمخاطبته والتواصل معه.

 السؤال عن دعاة الاعتدال لا بد ان يسبقه سؤال آخر عن مفهوم الاعتدال المطلوب، ذلك ان اختزال التطرف في جهة او تنظيم واحد دون غيره من التنظيمات التي تمارس التطرف والعنف، سواء تحت لافتة الدين او المذهب او السياسة ، يضع المعتدلين في زاوية حرجة ،وقد يدفعهم احيانا الى التريث او حتى الهروب من ممارسة دورهم، لا لانهم يتعاطفون مع  اي فكرة تحمل بذور التطرف وانما لانهم ضد توظيفه لحسابات معينة، او اختيار المتنافسين فيه وفق معايير مغشوشة وغير عادلة.

في سياق البحث عن الاعتدال المطلوب ايضا لا بد ان نخرج من حالة “الميوعة” التي تم استدراج هذا المفهوم اليها، فليس سرا ان بعض الذين اشتغلوا على هذا الخط ساهموا في افراغ الاعتدال من مضامينه الحقيقية،  ثم نزعوا عنه الصفة الاخلاقية التي تعكس قيم الدين وفطرة الانسان ومزاجه السليم، وبالتالي فان تحرير الاعتدال من هذه الالتباسات التي افقدت الجمهور الثقة به وبدعاته يبدو ضروريا وملحا ايضا.

ثمة نقطة ثالثة تتعلق باهمية تمكين المجتمع من بناء مؤسسات مستقلة تتبنى مفهوم الاعتدال وتدافع عنه، وتسهم ايضا في ابراز دعاة موثوق بهم يعبّرون عن الخطاب المعتدل ويجسدون نماذجه الصحيحة دون توجيه او توظيف او اقصاء، وهنا يمكن ان يكون لدينا خطان : خط تمثله المؤسسة الدينية الرسمية التي يفترض ان تعبر عن “ضرورات “ الدولة في سياق خطابها الديني ومجال نفوذها على المنابر او في سوق الفتوى دون ان تتماهى مع الرسمي او توظف خطابها لحسابه، وخط اخر تمثله مؤسسات دينية مستقلة غير تابعة لاي نفوذ سياسي او حزبي، وهذه يفترض ان تعبر عن “ خيارات”  الدولة والمجتمع في سيلق فهم الدين واقناع الجمهور بقيمه واخلاقياته واحكامه الصحيحة.

حين ندقق في مجالنا الديني نجد انه تعرض- للاسف -لاختراقات عديدة ، وان صوت التطرف الذي نسمعه يتردد داخل مجتمعنا ليس الا صدى لهذ الاختراقات التي لم نرصدها كما يجب، ولم نتعامل معها باهتمام وانتباه،  لا اتحدث هنا عن التنوع والاختلاف ولا عن الفاعلين الذين يتحدثون باسم الدين مع اختلاف اتجاهاتهم، وانما اقصد الفوضى  التي حولت المجال الديني الى اسواق للمزايدة والمتاجرة والعبث، ووظفت الدين احيانا لغايات لا علاقة لها بالدين ولا بالاخلاق ولا بالقيم الانسانية، هذه الفوضى كانت نتيجة لغياب المؤسسة الدينية عن القيام بتصحيح مساراتها  وغياب العلماء والدعاة (او تغييبهم ) عن النهوض بدورهم ممافتح الباب واسعا لدخول اشخاص طارئين على “الصنعة “ الدينية  اتخذوا من قاعدة “ اضرب واكسب ثم اهرب “ منطلقا لهم  ..!

وسط هذه المناخات الملبدة بالغبار، لم نتحرك للاسف من اجل اصلاح مجالنا الديني ولا حتى حمايته من الدخلاء على خطه ممن لا علاقة لهم به، كما اننا اهملنا القنوات التي تغذّي هذا المجال  وتصب فيه، مثل كليات الشريعة والاعلام الديني ومحاضن التدين الاخرى واعرضنا عن اصوات الاعتدال المعتبرة والاصيلة التي يثق بها الناس ، واستبدلناها باصوات اخرى سرعان ما اكتشف الجمهور انها اصوات مقلدة ومغشوشة، وقد تزامن هذا كله مع تصاعد حدة  ضجيج التطرف  وبروز نجم  دعاته والمتعاطفين معه، مما فسح الطرق امامهم لملء الفراغ الذي تركناه ولم نحسن ملأه بالدعاة المعتدلين والمؤثرين والمخلصين.

بدل ان نسال عن دعاة الاعتدال او ان نفزع لاستدعائهم ( وكانهم تحت الطلب دائما) لا بد ان نبدأ على الفور  بتحرير الاعتدال -مفهوما وممارسة – مما اصابه من خلل وسوء فهم وتوظيف، وباعادة الاعتبار الى الدعاة الاصلاء المؤمنين برسالة الاعتدال المنسجمة مع روح الدين ومقاصده، لتمكينهم من مخاطبة الجمهور بلا وسطاء او شروط او مضايقات.