0020
0020
previous arrow
next arrow

المعيار الحضاري .. من يضعه؟

 

وكالة الناس – لقد تناوبت على حكم العالم، دول وأمم وحضارات كثيرة، من مشارق الأرض إلى مغاربها، وكان كل من يسود يحكم، ويفرض معاييره الحضارية والثقافية والفكرية وغيرها.

والجواب الحاضر دوماً على السؤال المتكرر: من يضع المعيار الحضاري العالمي؟ إن القوي والمنتصر والمهيمن هو من يفرض منهجه وقناعته بل وذوقه الخاص، ليكون مرجعاً وأصلاً ونموذجاً، يحتكم إليه الناس وتُقاس عليه الأفكار والآراء والقناعات والسلوكيات والأخلاقيات والحالة المدنية بالمجمل، وتقدّم اليوم الحضارة الغربية العلمانية الرأسمالية نفسها قبلة ذلك ومرجعيته.

لكن السؤال الإشكالي هو: هل بالضرورة ذلك صحيح وحقيقي؟ فماذا لو ورثت حضارة ثانية أخرى، ألا تصبح المعايير الموروثة بالية وربما متخلفة، كما يحصل عادة في التاريخ؟ ثم ماذا لو هُزمت وزالت الحضارة الوارثة، هل ستبقى معاييرها قائمة؟ وما هي بالضبط المرجعية العالمية، عادة، للحكم على حضارية تلك الدولة أو الأمة؟

بعض الحضارات قد تتخلى عن بعض معاييرها وقوانينها، ما يجعل بعض من اعتدّ بها واتخذها مرجعية مدنية له في موقف حرج.

ففي الحضارة الغربية مثلاً، حيّدوا الدين وأقصوه عن الحياة، واليوم هناك دعوات عندهم بضرورة العودة للهوية الدينية والكنيسة، في السابق دعوا إلى تقديس الحرية الفردية، واليوم يدعون إلى ضرورة ضبط سلوكيات الأفراد وانحرافاتهم، لم يكترثوا سابقاً لموضوع الزواج والإنجاب، واليوم يحاولون بكل الطرق دفع وترغيب مواطنيهم بذلك، ولما لم ينجحوا، فتحوا أبواب التجنيس والهجرة واستقبال اللاجئين، اهتموا بالفرد على حساب الأسرة، واكتشفوا أنهم خسروا وحدة المجتمع بسبب ذلك.. إلخ.

المحزن حقيقة، هو أن بعض الدول والمناطق والمجتمعات والنخب، وخاصة من أمتنا من دعا إلى تبني تلك القيم بالكامل، دون التفكير بمن هو مستحق أن يكون النموذج الحضاري المثالي لنا، والمؤلم أكثر أن نملك مرجعاً حضارياً وفكرياً وإنسانياً راقياً كالإسلام، ارتقى بالإنسان وكرمه، وبالإنسانية وحررها ونشر العدل بينها، ونحاول أن نتبنى مرجعية الآخر المادية القائمة على الهيمنة والاستعباد.

إن العالم اليوم يحتاج حقاً إلى مرجع حضاري نموذجي حقيقي، يسمو فوق كل النزعات البشرية والحيوات المادية ورغبات الهيمنة، وينقذه من الهلاك الذي يعيشه ومن العبث بالفطرة الإنسانية الذي تمارسه اليوم الحضارة الغربية، وتلك هي الأيديولوجيات والعقائد والثقافات والحضارات الماثلة والمجرّبة، ولو استُخدم العقل، لعُرفت أيها الأجدر والأحق بالتبني والاتباع.

كتب. الصحفي / خالد الروسان