0020
0020
previous arrow
next arrow

الشعوب : من الهجوم إلى الدفاع…!

في السنوات الثلاث المنصرفة كانت الشعوب العربية في مرحلة ( الهجوم) بينما كانت أنظمة  الحكم و الحكومات ( تدافع) عن وجودها ،الآن انقلب المشهد تماما، فقد انسحبت الشعوب من الهجوم الى الدفاع ، وخرجت الانظمة من ( خنادقها) لتشهر انتصارها في الجولة الاولى.

معادلة ( التحول) هذه كانت واضحة في مصر وسوريا :  في مصر أجهز العسكر على الشرعية – بغطاء شعبي- ووجد المجتمع نفسه أمام ( ثورة) جديدة مضادة  لكنها ثورة ضد ( الارهاب) و ليست ضد الاستبداد ، وفي سوريا تمكن النظام من ( خلط ) الأوراق ، وقلب الطاولة على( الثورة) و حلفائها، ثم استطاع – بغطاء دولي واقليمي- أن يخرج من ( فخ ) السقوط الى صناديق الانتخابات لكي ينتزع شرعية جديدة.

أصداء الحدثين وجدت في صورة ( ليبيا) ما بعد الثورة دليلا آخر على فشل الشعوب في الانتقال من الثورة الى الدولة ، وألهمت المتربصين بمطالب الناس و حقوقهم ما  افتقدوه من شجاعة وصمود لمواجهة المارد الشعبي الذي استيقظ فجأة، وهكذا أصبح من السهل على الحكومات أن تتحدث من فوق برج ( الأمن) لتعيد المحتجين من الشوارع الى البيوت ، و لكي تقنعهم – اذا لزم الأمر- بأن الطريق الى الحرية يمر بالفوضى ،وبأن القبول و الرضى بالواقع أفضل من ( الأحلام) التي تقود الى الخراب.

أمام الوقائع البشعة و التجارب البائسة انكسر حلم الانسان العربي في ( التغيير)، لم تكن – بالطبع- الثورات هي المسؤولة عما حدث ،لكنها كشفت المستور ، فالمجتمعات العربية التي رضخت عقودا طويلة لسلطة الاحتلال الوطني  وجدت نفسها عاجزة عن تقديم البديل ، وعاجزة ايضا عن مواجهة ألآعيب السياسة التي لم تتمرن على ممارستها بعد أن حرمت منها ، كما وجدت ( ارادتها) معلقة على أعمدة ( القوة) التي خيرتها بين الماضي حيث أوهام الأمن و الاستقرار و بين المستقبل حيث ( عفاريت) الإرهاب جاهزة للانقضاض على الجميع .

مع غياب ( النخب) الحقيقية التي يمكن أن تقوم بدور ( المرشد) ، ومع سطوة الاعلام الذي انحاز ( للسلطة) و اسكت الضمير العام داخله ، اضطرت الشعوب للانسحاب من الميدان ، واكتفت بما سجلته من أهداف ،و بالتالي انتهت المباراة – كما اراد الحكم تماما- الى فوز الماضي بكل ما يحمله في الذاكرة ( الجماهرية) من عسف وظلم و استعلاء ،وقلة خبرة ،على الحاضر و المستقبل ، على الرغم مما فيهما من وقائع و احلام و امنيات ، أما جمهور المتفرجين فقد التزم ( الحياد) و ظل جالسا على مقاعده حائرا ومذهولا ايضا .

في الدول التي هبت عليها رياح ( الاصلاح) لم يكن المشهد أفضل حالا، فقد طويت تماما صفحة ( المباريات) الودية من سجلات المونديال ، وقرر الفريقان الانسحاب من الملعب ، احدهما قرر ذلك بعد أن أدرك أن ما حققه من انجازات يكفي ويزيد ، والآخر أنصاع للواقع و رضي بالنتيجة حتى لو كانت في غير مصلحته.

على برج ( المراقبة) ثمة من يعتقد أن مسألة الانتقال من الهجوم الى الدفاع ، أو العكس ، مسألة وقت ، وهي ايضا محاولة للتبسيط و الاختزال ، فما حدث في السنوات الثلاث الماضية هو جزء من المشهد أو مقدمة لها ما بعدها ، صحيح ان الشعوب سجلت في الجولة الاولى عددا من الاهداف كما ان بعض الانظمة استدركت صفارة الحكم فسجلت في الشوط الثاني اهدافا اخرى ، لكن الصحيح ايضا ان مثل هذه الجولات ليست اكثر من عروض في ( بازار) واسع وعميق ، تزدحم فيه التناقضات و الرغبات و الاحداث ، وتنقلب فيه الاسعار بين لحظة و اخرى ،وبالتالي فإن ما حدث لم يحسم بعد … لا من هذا الطرف و لا من ذاك ، كما ان ما تراكم داخل الانسان العربي من وعي وما انكشف أمامه من حقائق ، لن تسمح له ان يغطي رأسه مرة أخرى … حتى وان انحنى للعاصفة في هذه المرحلة .

يمكن اخضاع الشعوب لسنوات او عقود ، كما يمكن الاطمئنان الى صمتها و هدوئها و قبولها بالواقع ، لكن لا يمكن اسقاطها أو اجتثاثها ، فيما على العكس من ذلك ، سقط نظام مبارك في (18) يوما ، وقبله نظام زين العابدين في نحو شهر ، وحتى لو استطاع النظام السوري ان يصمد عامين، وربما عشرة ، فإن مصيره الى الزوال ، لكن يبقى بيد من يريد أن يبقى و يستمر مفتاح واحد و هو ( العدل) هذا الذي يحمي الجميع من السقوط والصراع و الغضب، و يحسم المباريات دائما بصفارة التعادل حيث لا غالب و لا مغلوب .