0020
0020
previous arrow
next arrow

وجع (الثقافة) من الطفيلة الى الدوار السابع..!!

فيما كانت جرافات الامانة في عمان “تجتث” احدى اهم اللوحات الفنية وسط الدوار السابع(الانسان والتاريخ للفنان ربيع الأخرس)،كان صديقي الروائي سليمان القوابعة يتحدث لي بمرارة عن واقع الثقافة في بلادنا، قلت له مازحا بان اخر نكتة سمعتها هي : “الطفيلة مدينة الثقافة الأردنية لعام 2014”، لم يفاجئني رد الرجل الذي اعرف تماما غيرته على الطفيلة وعلى الثقافة معا ،كما اعرف رحلته الصعبة من    جرح على الرمال” الى”  الرقص على ذرى طوبقال” الى “ ضانا ساعة الضحى” ،لكنني ادركت ان مرارته اخرجته عن طبيعة الجد التي تلازمه دائما الى الهزل هذه المرة  ( وما اكثر المهازل في زماننا)،قال لي بان اختيار الطفيلة مدينة للثقافة هذا العام ليست مجرد نكتة فقط وانما ايضا محاولة لتزيين الواقع الثقافي الذي لم يعد للثقافة فيه اي وجود ، اضاف : علاقة  الطفيلة بالثقافة ليست جديدة ،فالبلد واحة ثقافية ،تمتد جذورها الى اعماق التاريخ ،وبصمات مثقفي الطفيلة واضحة تماما في خارطتنا الثقافية رغم محاولات التهميش التي تعرضوا لها ،تذكرت- بالطبع- ما كتبه في صحيفة الدستور رئيس ملتقى الطفيلة (سعود الفراهيد) وقلت في نفسي : تصور ان اللجنة التي شكلت  للاحتفال “بالطفيلة” كمدينة ثقافية حضر فيها الجميع :المحافظ ورئيس البلدية ورئيس  الجامعة ومدير التربية ومدراء السياحة والشباب(ومعظمهم جديدون في مواقعهم ) فيما غاب عنها اهل الثقافة ، بكافة روابطهم وهيئاتهم،لدرجة ان وزارة الثقافة رفضت تماما ان تعين مديرا لثقافة الطفيلة ، وبالتالي فان “العرس” الثقافي  الذي سنشهده في الطفيلة هذا العام سوف يشارك فيه  المدعوون لكن  العريس للاسف اعتذر عن الحضور،كما ان الشهود الحقيقيين تغيبوا عن الحفل.

مأساة الثقافة في بلادنا لا يمكن اختزالها في هاتين الحادثتين فقط، ولكنهما مجرد نموذجين طازجين وصادمين ايضا اتمنى ان يفتحا ذاكرتنا وعيوننا ايضا على ما فعلناه بانفسنا على مدى السنوات الماضية حين قررنا للاسف الاجهاز تماما على الفن والثقافة والابداع ،وحولنا مدننا الى حجارة صامتة وتباهينا باننا انجزنا “تحضرا” حضر فيه البنيان وغاب عنه الانسان، لدرجة دفعتني انذاك الى القول بانه اذا أردت ان تعرف ما تتمتع به الدولة – أي دولة – من عافية فحسبك ان تسأل عن احوال اهل “الثقافة” والفن، فاذا كانت احوالهم – للاسف – ليست على ما يرام، فان من واجبنا ان نراجع حساباتنا (هل اقول نتحسس رؤوسنا) لان ما اصاب هؤلاء لا يتعلق بهم فقط، وانما يعكس حالة “البؤس” التي تعرض لها مجتمعنا على كافة المستويات.،ذلك ان ما حصل لم يكن صدفة، فاندحار الفن والثقافة والجمال من مجتمعنا وحياتنا تزامن مع مرحلة انتصر فيها منطق “البزنس” على منطق “القيم”، واستسلمت فيها السياسة لواقع “الخصخصة”، وتعرضت فيها المجتمعات لحالة من “التصحر” بعد ان تجردت من عوامل قوتها، ورضخت لمقررات “الاستهلاك” التي افقدتها هويتها وصوتها ،كما ان الذين قرروا في لحظة “غفلة” منا جميعا “اغتيال” االثقافة  في بلادنا، وإشهار رصاصة “الرحمة” على الإبداع، وتخليص مزاجنا العام من “رطوبة” الذوق والفن، هم ذاتهم الذين يحاولون اليوم دفن مشروع الإصلاح وكتم اصوات المطالبين به.

لم اتصور في لحظة ان ازدهار الثقافة مرتبط  بوجود وزارة نعرف تماما “وزنها” وامكانياتها المتواضعة في السلك الحكومي، كما انني ادرك ايضا بان معظم  جحافل المثقفين في بلادنا(ثمة الف عضو في رابطة الكتاب ومثلهم ايضا في الاتحاد) ما زالوا مشغولين بتصفية حساباتهم السياسية والانتخابية وبالتالي فان “الابداع الثقافي “ هو اخر همومهم، لكن ما صدمني حقا هو موقف الدولة والمجتمع ،بمؤسساتهما المختلفة،من الثقافة ، والموقف هنا لايحتاج الى تشخيص،فقد شهدنا ما حصل لاهل الفن في بلادنا حين تحول بعضهم تحت وطأة الفقر والحاجة الى العمل في مهن الحراسة وتقديم الطلبات لرواد المقاهي،فيما حال اهل الثقافة(دعك من الانتهازيين منهم) اسوأ من ذلك ، اما حركة الثقافة في مجتمعنا فقد اصبحت مشلولة تماما ، واما الشباب المبدعون – وما اكثرهم – فقد حزموا حقائبهم للرحيل بحثا عن امكنة تحتضنهم ومؤسسات ترعاهم ،وبالتالي فان ازمتنا الثقافية عكست حالة مجتمعنا الذي تعطل فيه “الضمير” العام  وغاب  عنه الجمال والأنس، وتشوه لديه الوعي، مقابل صعود الكراهية والعنف وبروز القبح والوعي الزائف، والتطرف والعنف ايضاً، لكننا للاسف لم ننتبه الى ذلك ظنا منا ان الثقافة من لزوم ما لايلزم او انها فائضة عن الحاجة ومجرد ترف يتسلى به بعض المدمنين على القراءة.

من حقنا ان نسأل اليوم عن الثقافة الغائبة والمغيبة في بلد يعاني من الصراع على الهويات الفرعية وعلى الغنائم والمحاصصات وعلى التاريخ ايضا،ومن حقنا ان نقول لكل الذين استهزأزوا بالثقافة :ان حضورنا وتحضرنا و مستقبل اجيالنا بلا ثقافة (حية) واصيلة  تجعلنا نتصالح مع تراثنا وعصرنا ونفهم موقعنا في هذا العالم وتحررنا من لعبة التذاكي على وجودنا ومصيرنا ، سيبقى معلقا بالمجهول، وما لم نستعد لهذه الثقافة ونتعامل مع اهلها بما يلزم من اعتبار واهتمام فان ازمتنا لن تكون ازمة حدود فقط وانما ازمة وجود ايضا لان الثقافة هي التي تؤسس لوجودنا وتدافع عن حدودنا ايضا.