0020
0020
previous arrow
next arrow

«3» أيــام ثــلــج … كشــفـتـنـا!

لم يخطر في بالي حين كتبت امس عن “صورتنا التي تستعيد بياضها” ان جاهزيتنا أصيبت “بالتجمد” لدرجة ان شوارعنا ما تزال بعد ستة ايام على سقوط “الثلج” غير سالكة بسهولة، وان أعمالنا توقفت ومدارسنا اغلقت، وجامعاتنا علّقت الدراسة، واحداها خسرت نحو سبعة ملايين دينار وطالب رئيسها باعتبارها منطقة منكوبة”.

كنت آنذاك- ربما – أتحدث عن الآمال والرغبات، فقد بالغ الاعلام احياناً في “نقل” صورة مؤسساتنا التي توحدت في مواجهة العاصفة، واستنفرت من اجل تخفيف آثارها على المواطنين، فيما اختقى مع بدايات سقوط الثلج صوت معاناة الناس او ربما لم يجد له “مجالاً” للتنفس، لكن ما ان استمرت العاصفة وتعمقت ثم انقشعت غيومها وتراكمت ثلوجها، صدقنا الوقائع والاحداث، واكتشفنا ان الخروج من البيوت أصبح معجزة، كما ان استجابة أي طرف في الميدان لنداءات المواطنين، سواء لايصال الكهرباء، او لفتح الشوارع الفرعية مسألة بالغة الصعوبة.

اليوم، وهو السادس على مرور “الجنرال” الابيض، اكتشف ان وصولي الى “الدستور” من منطقة لا تبعد عنها اكثر من 5كم يحتاج الى ساعتين، وان الشوارع حتى الساعة (11) ما تزال تعمل في مسرب واحد، وان الاليات التي يفترض ان تتحرك لازالة الثلوج شبه معدومة، (رأيت جرافتين واقفتين فقط)، وان المدارس التي يذهب اليها الاولاد اعلنت تعليق الدراسة حتى موعد غير محدد، كما ان الجامعات أجلت مواعيد الدوام والامتحانات، ترى هل نحتاج الى عشرة ايام حتى نتجاوز “تداعيات” الثلجة، وهل عجزت مؤسساتنا العاملة في الميدان عن “تطهير” شوارعنا الرئيسة والفرعية من آثار “العاصفة”، نحن بالطبع نتحدث عن “عمان” التي يفترض انها تحظى بنصيب الاسد من الخدمات فما بالك بالمحافظات البعيدة، والقرى النائية التي تحولت بالفعل الى “مناطق” منكوبة!

لم تكشف “الثلجة” فقط عن ضعف اداء بعض مؤسساتنا، وغياب التنسيق فيما بينها، وتواضع جاهزيتها في مواجهة هكذا “أزمة” وانما ايضاً فضحت قطاعنا الخاص الذي ظل يتفرج على المشهد ولم يتذكر بأن عليه واجبا تجاه مجتمه، حتى ان اخواننا “المقاولين” واصحاب شركات فتح الطرق وبناء الجسور ظلوا واقفين وكأنه لا علاقة لهم بما يحدث، كما فضحت ايضاً جهازنا الاداري الذي ظهر “مرتبكاً” وغير قادر على الحركة، وشركات الكهرباء التي قيل لنا بأن “اداراتها الخاصة” ستنقذها من البيروقراطية الرسمية.

لم يكن حال مجتمعنا ايضاً افضل من حال “مؤسساتنا” فقد اكتشفنا ان المواطن ما زال ينتظر “جرافات” الامانة حتى تفتح له باب “الكراج” دون ان يتحرك لازالة ما تراكم امام بيته من ثلوج، كما ان الجيران في العمارة الواحدة اكتفوا “بالفرجة” دون ان تتعاضد أيديهم لفعل أي شيء، ولم يقصر البعض في “المجازقة” بالخروج لأخذ قسط من النزهة الثلجية رغم انه يعرف ان سيارته “ستعلق” في وسط الشارع، وفي مشهد هذا، اكتشفنا ان مجتمعنا ما زال يعاني من مشكلة القيام بواجبه ومسؤولياته، وكأنه اصبح عاجزاً تماماً عن الحركة وعن المبادرة “هنالك استثناءات بالطبع” وينتظر دائماً يد الحكومة والجهات الرسمية للمساعدة.

المؤسف – ايضاً – ان احزابنا ونقاباتنا اكتفت بانتقاد الجهات الرسمية، فيما لم نسمع عن أية جهود او مبادرات منها، خذ مثلا نقابة المهندسين التي يفترض ان تستنهض اعضاءها للمشاركة في فتح الشوارع او انقاض المواطنين الذين انقطعت بهم السبل، او في تشكيل فرق مساندة لموظفي “الكهرباء” او غير ذلك.. وخذ مثلا احزابنا الكبرى (جبهة العمل الاسلامي مثلاً) التي يفترض ايضا ان يكون لها كوادر لتقدم الخدمات الاجتماعية في مثل هذه الظروف.. وخذ مثلاً نقابة المقاولين ونقابة المهندسين الزراعيين وغيرها من المؤسسات والنقابات.. معظمها ظل يتفرج وكأنها ليست جزءاً من هذا المجتمع وعليها مسؤوليات تجاهه.

لم نخرج بعد من تداعيات وارتدادات “3” ايام من الثلج، ولنا ان نتصور لو امتدت الى اسبوع او اكثر، او لو تعرضنا لا سمح الله “لزلزال” او أزمة اكبر، كيف سيمكن – اذن – ان نواجهها؟ وكيف ستبدو صورة مؤسساتنا ومجتمعنا؟ ومن سيتحمل مسؤولية الاخفاق؟

اول ما يمكن ان نفعله هو ان نعترف بأننا “قصرنا” في مواجهة أزمة عابرة مدتها بضعة ايام. وبأن غياب “ادارة” ازمة كهذه يستدعي ايجاد “خلية” تجمع كافة الاطراف والمؤسسات مهمتها وضع ما يلزم من معلومات وخطط حول التعامل مع الظروف الطارئة، وتحديد أوجه التقصير والضعف في اداء أي طرف لمحاسبته لاحقاً.

وعلى ذكر المحاسبة فان مرور هذه “الأزمة” دون مساءلة المسؤولين المقصرين سيعني أننا لا نريد ان نتعلم مما حصل، ولا اتحدث هنا عن جهة محددة (الكهرباء التي اصيلت للنائب العام) وانما اتحدث بشكل عام لأن ثمة جهات اخرى -ايضاً- تحتاج الى المحاسبة لكي لا تتكرر الأخطاء، ولكي نكون أمام موازين العدالة سواء بسواء.