0020
0020
previous arrow
next arrow

أخطاء السياسيين «هدايا» لخصومهم!!

الخدمة التي يقدمها لك –احيانا- خصومك دون ان تنتظرها، تعادل او تفوق ما يمكن ان تفعله ضدهم، واذا كانت اخطاؤهم تدفعك الى الغضب والاستنكار فالاجدى ان تدفعك لتوجيه الشكر اليهم، ذلك انه لولا هذه الاخطاء لما استعفت قدرتك في الانتصار عليهم.

على هذه القاعدة –بالطبع- يمكن امتحان “الذكاء” السياسي لمن يتصدرون المشهد في عالمنا العربي، وفي بلادنا ايضا، خذ –مثلا- ما تردد في مصر مؤخرا حول قصص الاعتقال والتعذيب: الاحكام التي صدرت ضد “بنات الاسكندرية” بالسجن 11 عاما بسبب مشاركتهن في احدى المظاهرات، اصدار قانون التظاهر واعتقال مئات المتظاهرين، الافراط في استخدام القوة ضد المدنيين واعادة “امن الدولة” الى العمل بشكل سافر، مطاردة كل من يرفع شعار “رابعة” لدرجة انه قبض على طالب في الثانوية العامة بسبب “ضبط” مسطرة عليها هذا الشعار، كل هذه القصص المفزعة التي وقف وراءها “رجال” الانقلاب دفعت قطاعا كبيرا ممن “فوّض” الحكم الجديد للاحتجاج عليه، والمطالبة باسقاطه، وبعد ان كان الصراع فقط بين الاخوان والسلطة دخل طرف اخر عليه وانضم الى معسكر “المدافعين” عن الشرعية، لا حبّا في الاخوان وحلفائهم، وانما “كرها” في افعال النظام الجديد.

اخطاء السلطة في مصر نزلت “كهدية” على الاخوان، ومع انه يفترض ان يستقبلوها كما يجب الا ان الوقائع لا تشير الى ذلك، فبدلا –مثلا- من الاصرار على “شعار” الدفاع عن الشرعية وعودة مرسي، يمكن الانتقال الى شعار جديد يطمئن الداخلين الجدد على خط الاحتجاجات مثل “الدفاع عن الديمقراطية” او “الدفاع عن ثورة يناير” خاصة بعد ان انكشف المستور عن عودة نظام مبارك بوجوه جديدة.

في بلادنا ايضا مثلا التصريحات التي انطلقت من جماعة الاخوان المسلمين لمحاكمة “المؤسسين” الثلاثة لمبادرة زمزم، ذلك انه وبعد اكثر من عام على انطلاق هذه المبادرة التي “استقرت” في مركز دراسات بالقرب من “السيرك” في شارع وصفي التل، صحا “الاخوان” على مخالفة “اخوانهم” وقرروا استدعاءهم للمحاكمة “الحزبية”، واعتقد ان هذه الخطوة هي اكبر “خدمة” تقدمها الحركة للمبادرة وبوسع صديقنا الدكتور رحيل وزملائه ان يبعثوا برسالة شكر لمن “دفع” باتجاه المحاكمة، لان ما فعلوه منذ انطلاق المبادرة وحتى اشهارها وما حققوه من انجازات لا يعادل قيمة “الهدية” التي ارسلها لهم اخوانهم في الحركة.

يمكن  -بالطبع- الاستطراد في تقديم نماذج اخرى، خذ مثلا ما ترتكبه المعارضة السورية من اخطاء تصب في مصلحة “تمادي” النظام واستمراره في الصمود، وخذ –مثلا- اخطاء الاسلاميين الذين وصلوا للحكم حين تم توظيفها  والمبالغة فيها لازاحتهم واقصائهم من المشهد، وخذ –ثالثا- اخطاء الحراكات التي استثمرتها الحكومات لتطويقهم وتشويههم ، وخذ –رابعا- اخطاء الحكومات نفسها حين انصرفت الى المبالغة في مقرراتها التي تمسّ حياة الناس بحجة انحسار الاحتجاجات او ضعف الخصوم السياسيين.

السياسي “الشاطر” لا يعتمد فقط على “مواهبه” وقدرته على الانجاز وانما على “اخطاء” خصومه وخطاياهم احيانا، وفي بلداننا العربية لا احد يتحدث عن “الحكمة” او يتعلم من تجارب الآخرين، وبالتالي فان سرّ ضعفه يكمن في “عناده” واحساسه احيانا بالانتصار، مما يسوّغ له الاستمرار في الخطأ، وغالبا ما يكتشف بأنه “وقع” في البئر الذي حفرته يداه لا في “الحفرة” التي عجز خصومه عن دفعه اليها.

باختصار، حين تدقق في “اسرار” الكون تكتشف ان الخطأ، اي خطأ، يحمل بذور “تدمير” ذاته في ذاته، فالظلم –مثلا- يورد الهلاك، لا بقوة من يتصدى له فقط وانما بما يتوافر عليه من اسباب في تركيبته وفي “ممارسات” من يقوم به، وقس على ذلك كل ما يخطر على بالك من افعال “التسفل” البشري التي تتنافى مع الفطرة والعقل، لكن ما دمنا نتحدث عن اخطاء السياسة فان من “الحكمة” ان نتعامل مع الواقع بمنطق “الموازنة” بين المقدمات والمآلات، وان لا تدفعنا “شهوة” الانتصار الى الانتقام ولا سوء التقديرات الى الفجور في الخصومات.