0020
0020
previous arrow
next arrow

حاسوب أعور!!

إذا صح الرقم المعلن عن تكاليف الحراك العربي منذ أقل من ثلاث سنوات وهو ما يقارب الثمانمئة مليار دولار، فان الحاسوب الذي أوكلت اليه مهمة هذا الاحصاء أعور، لا يرى غير جهة واحدة من المشهد، ونحن بانتظار إحصاءات أخرى عن عدد القتلى والمعاقين والمشردين خلال هذه السنوات، وعندئذ نختار اسماً مناسباً لهذا الفصل الدامي، فقد يكون خريفاً أو حتى فصلاً خامساً غير مذكور في التقاويم.
ولكي لا نتعرض لأية مزايدات مجانية كالعادة، علينا ان نقول بأن هناك بعداً ثالثاً للمشهد غير ثنائية المديح والهجاء والثورة والفوضى والقبول والرفض، فالنوايا والمحركات لأي فعل بشري ليست المعيار الوحيد الذي نحتكم اليه لاستقراء ما يجري، ما دامت مفردات من طراز الاختطاف والسطو قد بدأت تستخدم على نطاق واسع للتعبير عن الفارق الكارثي بين النوايا والنتائج.
الحاسوب الأعور بل الأخرق ذاته هو ما قدم لنا خسائر العراق في الحروب الثلاث التي انتهت باحتلاله، بينما يصل حجم الخسائر غير المنطورة الى أرقام فلكية قدر تعلق المسألة بنتائج الحصار الطويل واعاقة التنمية خصوصاً التعليم.
لو كانت الخسائر في كل هذه المحن والزلازل التاريخية ذات الترددات التي لا نهاية لها مادية فقط لهان الامر وتحملت الاجيال القادمة كل هذه المديونيات، لكن الخسائر بشرية وحضارية وتربوية وتشمل كل الانشطة الانسانية في عصر ايقاعه متسارع ان لم يكن مسعوراً بحيث يصبح من يغمض عينيه دقيقة واحدة كمن خسر عشرة اعوام.
ما نخشاه هو ان ما خسره العرب من المال والدم وسائر المنجزات لم يكن مهراً لعذراء جميلة، ولا حتى لمطلقة عجوز او أرملة، فما يلوح في الآفاق لا ينبىء عن أعراس قادمة لان ما انفجر هو سلاسل جبال من المكبوتات بكل فصائلها وسلالاتها طائفياً وجنسياً وطبقياً ونفسياً.
لهذا ما من يد تأمن الآن توأمها وما من بوصلة تؤشر جهة تجتذب التائهين اللهم الا تلك الجهة الخامسة التي لا نعرفها وهي باختصار المستقبل المجهول الذي تحول الى كمين تاريخي لأحفادنا!.
وهناك خسارة فادحة يتم التواطؤ عليها مع سبق الاصرار، هي دور النخب التي افتضحت الاحداث هشاشتها وطفيليتها وامتطاءها للموجات، فالشعوب التي تنظر الى الثقافة كواجهات سياحية، وبغال كجر عربات الاعلام عليها ان لا تنتظر من الغزالة ان تلد شبلاً، فالأقرب هو ان تلد اللبؤة الكاذبة في الحفلة التنكرية صرصاراً!.
وبانتظار حاسوب آخر غير هذا الاعور لمعرفة كم خسرنا من الذات والدولة والارض قبل الدولارات!!.