0020
0020
previous arrow
next arrow

هـؤلاء تطـاردهم «لعنـة» النجـاح!!

أرجوك، اذا كنت معجبا “بأدائي” ومقدرا لما انجزته في الموقع العام الذي اتولى ادارته، فاتركني اعمل بصمت، لا اريد ان يخرج اسمي الى الاعلام، ولا ان يحتفي بي احد، حتى كلمة “شكرا” لا اريدها، فأنا اقوم “بواجبي” في خدمة الناس، اجتهد فأخطىء او اصيب، لكن افضل ما يمكن ان تقدمه لي هو ان تظل انطباعاتك عني في داخلك، ربما تستفيد منها في حياتك او في تغيير “الصورة” عن “المسؤول” المتهم دائما بالعجز وقلة الانجاز، لكن حذار ان “تذيع” هذا السرّ امام الجمهور.
فاجأني الرجل بهذا الكلام، فأنا في الغالب اتجنب الكتابة عن “الاشخاص” وانجازاتهم، واهرب من “مقالات المديح” والتلميع، لكن ما الذي يمنع من الاشارة الى “التجارب” الناجحة؟ وما الذي يضير المسؤول اذا وصلت اخباره التي تحمل بصمات “عمله” واخلاصه الى الاعلام؟ سألته عن السبب الذي دفعه الى “تفضيل” البقاء في الظل، فقال لي: لا يوجد في مجتمعنا حزب اكبر من حزب “اعداء النجاح” يمكن ان تخطىء وربما تتجاوز صلاحياتك “فيغمض” هؤلاء اعينهم عنك، لكن ما ان تبدأ “بالاصلاح” داخل المؤسسة التي تديرها، وتسجل نجاحا في الاداء، وتلتزم بالقانون والتعليمات، وتصرّ على الحفاظ على الموقع الذي انت فيه ليكون في خدمة الناس، حتى يتحرك على الفور اعضاء هذا الحزب ضدك بعضهم يشعر انك بانجازك تكشفهم وتفتح العيون على اخفاقاتهم وتجاوزاتهم ويتجنبوا “المقارنات” التي تفرضها “حالة النجاح” وبعضهم يشعر دائما “بكراهية” غريبة تجاه كل من يحظى “باعجاب” الجمهور لانجازه.
تذكرت انني سمعت هذا الكلام من رئيس وزراء سابق، قال: في بعض مجتمعاتنا العربية يمكن ان تنتقد المسؤول فيبقى في موقعه حتى وان تضايق من النقد، لكن اذا  اردت ان “تخلعه” من موقعه فما عليك الا ان “تمدحه”، فمديحك له، خاصة اذا كان مُحِقّاً، هو اقرب طريق لتأمين ما يلزم من “اعداء” له، واثارة شبهات عليه، وتلك –كما قال- احدى سمات “مجتمع الكراهية” التي اشار اليها المرحوم سعد جمعة في كتابه الذي يحمل هذا الاسم.
اعرف –بالطبع- ان ثمة طبقتين من المسؤولين: احداهما تعتمد اساسا على “التسويق” الزائف للحصول على الثقة والاشادة، وهي لا تنجز وليس لديها ما يؤهلها للبقاء في الموقع العام الا من خلال “تضخيم” الصورة والمبالغة في الحديث عن نجاح الاداء، وطبقة اخرى عكس ذلك تماما، وهي احيانا غير قادرة او راغبة في اشهار تجربتها، لكنها تخشى دائما من انقضاض اعداء النجاح عليها، لا دفاعا عن “الوظيفة” وانما حماية للأنموذج، ورغبة في خدمة الناس، وايمانا بان الخدمة واجب، والنظافة “الوظيفية” قيمة محترمة، والمديح “العالي” مجرد تزلف ونفاق.
اذا سألتني: لمن انحاز؟ لاشهار الانجاز ام للتكتم عليه حفاظا على ديمومته، سأجيبك بأنني انحاز للاول مع بعض الحذر، فليس من المقبول ان نحرم مجتمعنا من رؤية بعض الصور “للعافية” التي يتمتع بها او “للأمل” الذي يمكن ان يزيح عنه ظلال الاحباط والشك، وليس من الانصاف ان “نعاقب” الناجحين بذريعة الخوف عليهم من “نفوذ” حزب “اعداء النجاح”، وليس من الحكمة ايضا ان يبقى انطباع “الفساد” ملتصقا بكل مسؤول، وان تغيب نماذج النظافة والالتزام في الاداء العام لمصلحة تعميم أنموذج “الفشل” وسطوة المحسوبية و”الشطارة” والفهلوة وانتشار “حالة” طرد الموظف الناجح عقابا على نجاحه، وجلب “البديل” المناسب لتجنب “لعنة” النجاح.
في المجتمعات التي تعافت من “عقدها” الاجتماعية وانتصر الناس فيها على تقاليدهم المغشوشة وحساباتهم العابرة واستفاقوا للبحث عن “ذاتهم” ومصالحهم ومستقبلهم، في هذه المجتمعات التي تسود فيها روح “العدالة” والسماحة والانصاف واضمحلت فيها نوازع الكراهية والشماتة والنميمة السياسية، تجد الناس يلتقطون ذبذبات “النجاح” ويحتفون بقيم احترام الوظيفة العامة، ويلتفون حول “رموز” وتجارب تعمق فيهم الاجماع على المشتركات وتنعش ذاكرتهم “بمواقف” ملهمة، ونماذج وطنية انسانية تمدهم بالعزم والاصرار على تقديم الافضل، وتحصنهم من فكرة “الفقر” للقيم العالية، وسطوة “التعميم” للطالح على حساب الصالح.
مثلما تحتاج مجتمعاتنا الى مواجهة “حزب الفساد” الذي وظف كل ما يملك من طاقات للحفاظ على امتيازاته وتشويه صورة الاخرين الذين تكشفه انجازاتهم ونظافتهم، فاننا –ايضا- بحاجة الى مواجهة “حزب الكراهية” الذي يحاول اغتيال “الجمال” في حياتنا ويصرّ على حرماننا من الاحتفاء بالنجاح واعتقد ان الحزبين وجهان لصورة واحدة… وان هزيمة احدهما ستمنحنا فرصة لبناء مجتمع خال من الضغائن والمفاسد والاحقاد.