0020
0020
previous arrow
next arrow

سـرّ الاحتضان الغربي للإخوان

صعّدت الولايات المتحدة من لهجة انتقاداتها للجيش المصري، وجاءت كارين أشتون إلى القاهرة للمرة الثانية في أقل من ثلاثة أسابيع، سعياً في تعويم جماعة الإخوان المسلمين، فيما تواصل قطر وتركيا حربهما المفتوحة سياسياً وإعلامياً (وربما بوسائل أخرى) ضد ثورة يونيو والنظام الجديد الذي انبثق عنها.
الإخوان ما انفكوا يستحثون التدخل الدولي، ويلوذون به … وهم إذ أدركوا أن “التظاهر السلمي” مهما طال واستطال، لن يكون كافياً وحده، في استدرار التعاطف واستدراج التدخل الخارجي بأشكاله المتعددة … ذهبوا نحو الاحتكاك والصدام بالمتظاهرين الآخرين، واقتربوا من خطوط الجيش الحمراء، ولم يتورعوا عن توظيف “الماكينة الجهادية” للسلفيين، أو حفزها وتشجيعها على الأقل، لنشر الفوضى وإراقة الدماء واستحضار العامل الخارجي.
أمس، وفي جولة نظمها الإخوان على ميدان رابعة العدوية، بدت التحصينات من أكياس الرمل وسواتر الحجارة والطوب، كما لو أن القوم، مستعدون لخوض حرب شوارع مديدة، وفي الوقت الذي كان فيه روبرت فيسك، ينقل من المستشفى الميداني في رابعة، صوراً مروعة عن “ضحايا التظاهر السلمي”، لم يتورع الصحفي البريطاني عن القول بأن مرافقه من الإخوان، كان يحمل رشاشاً آلياً في يده … وثمة معلومات وتقارير تتحدث عن ترسانة من الأسلحة البيضاء والسوداء، جرى تهريبها للميدان.
وإذا وضعنا جانباً خطابات التحريض والكراهية التي تنبثق من منصة رابعة العدوية، فإن ما قاله قادة الإخوان الذين رافقوا الصحفيين في جولتهم على أرجاء “إمارة رابعة العدوية”، عن استعدادهم لتقديم مائة ألف شهيد كرمى لعيون مرسي والشرعية والدستور، فإن المراقب لن يجد صعوبة في قراءة النوايا الخبيئة والخبيثة الكامنة وراء “العدوية” وخطابها الفتنوي المريب … ومن أين جاءوا بهذا الرقم “مائة ألف شهيد”، وهل هي مصادفة أن يتهم الإخوان نظام الأسد بتقديم مائة ألف شهيد من أجل البقاء في الكرسي، وهم أنفسهم الذي يتحدثون بـ”فخر” عن استعدادهم لتقديم مائة ألف شهيد للعودة إلى الكرسي؟! … أليسوا صورة طبق الأصل لمن أسموه نظام الطاغية، وشرّع رئيسهم المعزول الجهاد لإسقاطه؟!
لقد فضح أحد قادة الإخوان نوايا الجماعة، عندما أبلغ الصحفيين بأن الجيش تلقى درساً قاسياً في ساحة الحرس الجمهوري، وأنه (الجيش) من يومها، لم يجرؤ على إطلاق الرصاص على المتظاهرين … هم يعرفون كلفة الدم في “حرب الصور” و”الفضائيات” وميزان الرأي العالم العالمي، لذلك نراهم لا يتورعون عن “التبشير” و”التحريض” على إراقة المزيد من الدماء، طالما أن الهدف هو استعادة السلطة.
السلطة، ولا شيء غيرها، هو هدف الإخوان الأول والأخير … ليست مصر ولا الشرعية، ومن باب أولى ليست الديمقراطية والحرية هي هاجسهم وحافزهم على تقديم كل هذه التضحيات الجسام … أما ادعاء “الزهد” بالسلطة والنفوذ، فقد سقط سقوطاً مدوياً في سياقات ما بعد ثورة يناير وتأكد بما لا يدع مجالاً للشك بعد ثورة يونيو.
والحال في تونس لا يختلف نوعياً عن مصر … وأغرب ما يمكن أن تقرأه من تصريحات تلك التي تصدر عن قادة النهضة … رئيس الحكومة ينفي تشبث حزبه بالسلطة، بيد أنه يرفض بشكل قاطع استقالة الحكومة، بل ويعتبر أن استقالتها أو إسقاطها، هو طريق الخراب والفوضى … إما نحن أو الفوضى، هذه هي المعادلة الإخوانية الجديدة في زمن ما بعد ثورة يونيو، وبلا رتوش أبداً.
ومن أجل الاحتفاظ بالسلطة أو العودة إليها، لا بد من استلال كافة الأسلحة الصدئة القديمة، وفي صدارتها “خطاب المظلومية” و”الاستهداف بالمؤامرات الكونية” … والحقيقة أن من حق الشارع المصري أو التونسي، أن يسأل أين هي الحرب الكونية على الإخوان، فيما واشنطن وبروكسيل تقدمان لهما الرعاية الكاملة وشبكة الأمان، بل وتلقيان بثقليهما خلف الإخوان وخطابهم … ثم لماذا يفعل الغرب الأمريكي والأوروبي ذلك؟ … لماذا لا نرى موقفاً حازماً من نذر “الإرهاب” التي تطل برأسها من القاهرة وسيناء؟ … لماذا كل هذا التضييق على الجيش الذي انتصر لثورة شعب، فاقت من حيث وزنها وأعداد المشاركين في ميادينها، ما حصل في يناير وفي جميع الانتخابات والاستفتاءات التي شهدتها مصر من الإطاحة بالمخلوع وحتى التحفظ على المعزول؟!
مثل هذا الحماس الأمريكي – الأوروبي، لم نره طوال عام من الفشل والهيمنة و”الأخونة”، وهو يؤكد أسوأ مخاوفنا التي طالما هجسنا بها، والتي تدور أساساً حول فرضية التوافق الأمريكي – الإخواني – الغربي، أو ما كنا أسميناه مراراً وتكراراً، إعادة انتاج تحالفات الحرب الباردة، سواء لاستهداف إيران وهلالها، أو لـ “ضبضبة” القضية الفلسطينية حتى ينطق الحجر ويصرخ: “يا مسلم، ورائي يهودي تعال واقتله” … ألم يشرع إخوان مصر، وبتناغم مع إخوان فلسطين، في تسويق وتسويغ أحاديث “الهدنة المفتوحة والطويلة” و”الحل الإسلامي” لقضية الإنسان الفلسطيني، من دون اهتمام بالأرض وبقية الحقوق؟
نريد تفسيراً من الإخوان، لسر “الهلع” الأمريكي – الأوروبي على حكمهم ونظامهم ورئيسهم وجماعتهم … نريد للرأي العام أن يطلّق مرة وإلى الأبد مزاعم “المظلومية” و”الاستهداف” و”المؤامرة الكونية”، فالسؤال المطروح بقوة اليوم: من يتآمر على من؟