0020
0020
previous arrow
next arrow

قـاعـدة إنـسانـية مخالفتها نقيصة

وكالة الناس – عندما يحاول أحدٌ أن يستغفلك بالحيلة أو الكذب أو غيرهما ليأخذ منك شيئاً يخصّك دون وجه حقّ مهما
عظمت قيمته أو قلّت، فإنّك تشعر بامتعاض شديد، وستسعى جاهداً لاسترداد ما أخذه منك، وربّما تلجأ إلى
القانون إن استطعت أو إلى العنف أو إلى الحيلة أحياناً. ولا يكون السعي إلى استرداد هذا الحقّ في كلّ
الأحوال بسبب الحاجة إليه، بل لأنه أخذ منك بطريقة غير مشروعة سواءً بالسرقة أو بالاحتيال أو بالقوة، وهو ما
لا تقبله النفس البشرية، وربّما تكون أنت في غنى عن هذا الشيء الذي أخذ منك بهذه الطريقة، لكن
إحساسك بأنّ الحيلة قد انطلت عليك، أو أنّ الكذبة قد نجحت في الإيقاع بك، أو أنّ ما أخذ منك انتزع رغماً عنك
وعن غير إرادتك، وهو أمرٌ يجعلك تشعر بمرارة كبيرة، ويجعلك تنظر إلى ما أخذ منك على أنّه شيء بالغ
القيمة. ولهذا نجد كثيراً من الناس يردّدون عبارة: قد أعطيك أغلى ما أملك إذا طلبته منّي أو استأذنتني بالحصول عليه، أمّا أن تأخذ منّي
فلساً واحداً بالقوة أو بالإكراه أو بالاستغفال أو بالاحتيال فهذا ما أستميت من أجل عدم وقوعه.
إنّ هذه الصفة لدى الناس هي صفة إنسانيّة عامّة وليست خاصّة بشعب من الشعوب أو مجتمع من المجتمعات، وهي صفة محمودة جديرة
بالاحترام، وهي تنطبق على من يملك المليارات ومن لا يملك قوت يومه، وتنطبق على أهل الكرم والجود الذين لا يترددون في إنفاق ما
لديهم لإسعاد غيرهم، وعلى أهل البخل الذين لا يفرّطون بفلس واحد.
وما دامت هذه الصفة عامّة على هذا النحو، فإنّ مخالفتها تعد نقيصة في صاحبها، وتزداد قيمة هذه النقيصة بازدياد قيمة ما يؤخذ من
الشخص بالسرقة أو بالقوة أو بالاحتيال أو الاستغفال. وتزداد هذه النقيصة أيضاً بالسكوت على ذلك من قبل الشخص الذي تعرض للسرقة
أو الابتزاز أو الاحتيال أو الاستلاب.
إنّ أكبر سرقة شهدها هذا العصر ووقعت بالغدر والكذب والاحتيال والقوّة هي سرقة فلسطين، وعلى غير رضا أو إرادة من العرب
والمسلمين وأهل فلسطين، وهي بلاد ذات قيمة لا حدود لها وذات مكانة عالية في نفوس أبناء الأمّة! فهل يجوز بأي حال أن تصمت الأمّة
على هذه السرقة هذا الصمت الذي نشهده الآن ما دام كلّ واحدٍ منّا لا يرضى أن ينتزع منه فلس واحد بغير إرادته؟!-د. صلاح جرّار