0020
0020
previous arrow
next arrow

لا واقعا أصلحنا ولا وطنا حَفظنا

منذ ان طرح اندرو مارك سؤاله في مقالة عقب حرب فيتنام , لماذا تُهزم دول قوية فى معارك مع عدو ضعيف ؟ على طاولة الاستراتيجية الامريكية , والطاولة مشغولة بحمّى الاجابة على السؤال , وتَعمّق السؤال وتفاعل بعد ان التحق القطب الكوني الثاني “ الاتحاد السوفييتي “ بركب الكبار الخاسرين في افغانستان , وسؤال مارك بنائي , فأمريكا حسب مارك ستكون الأقوى عسكرياً واقتصادياً وقد تؤول إلى الهزيمة والامثلة متعددة من تاريخ صراعات كبرى تنتهى بانتصار الأضعف مادياً وتسليحاً .

ما جرى في الربيع العربي بين الشباب الاعزل والانظمة القوية اعاد سؤال مارك الى الذاكرة , ليس من بوابة المقاربة بين شباب اعزل وانظمة مدججة بالسلاح وحتمية انتصار الدم على السيف كما تقول الاسطورة العربية , بل لبداية تجلّي الاجابة الامريكية على السؤال السابق في الشوارع العربية وكأنها اجابة نموذجية تحملها الانظمة والمعارضة على شاكلة النماذج التي يحملها المصححون في الثانوية العامة . 

وحتى لا اطيل في الشهر الفضيل كانت الإجابة من مراكز الابحاث وخلايا التفكير هى أن نجعل العدو فى حالة اقتتال داخلي وإضعاف ذاتي وانقسام مجتمعي، بحيث لا يستطيع أن يفكر فى الدخول فى معارك خارجية ولو فكر فسيجد الدعم الداخلي ضعيفاً ولا يفيد , هذه خلاصة مبتسرة كثيرا فثمة اسباب أدرجها الامريكان وقتها عن عقيدة المقاتل وكلفة القتال بين الجيش النظامي والقوى غير التقليدية او المنظمة التي تحمل احيانا ميولا انتحارية الى اخر الاسباب .

مصر وسوريا ولبنان واليمن والعراق , كلها نماذج للضعف الداخلي والاقتتال والانقسام الذي أخذ شكلا مسلحا واستقطابا حادا ترعاه كل توابل التفرقة من طائفية ومذهبية واثنية , وعلى نحو سلمي حد اللحظة ثمة انقسام في تونس والمغرب وان كان التيار السلفي التونسي لن يسمح بالسلمية كثيرا , وحتى الجزائر ان اشتعلت الشوارع بالسلمية , فسرعان ما تستذكر الاصولية تاريخها وتدخل العاصمة والضواحي بالمذابح والقتل والتشريد , فيما تبقى ليبيا نموذجا خاصا لانعدام الدولة بكليتها وما زالت العواصم العربية في افريقيا مثالا عالميا لتفكك الدول والانظمة فالصومال وموريتانيا عضوتان في جامعة الدول العربية .

فلسطين او الجزء المتحرر نسبيا او شكليا من الاحتلال الاسرائيلي مصاب بكل اعراض الضعف الداخلي والانقسام المجتمعي والاثني وفيه كل الخلائط والعجائب , غزة دولة ملتحية والضفة دولة علمانية , غزة مجتمع لاجئين حكم اهل المدينة الاصليين , والحال اكثر رحمة في الضفة بعد ان امسكت محافظة واحدة بمقاليد رئاسة الحكومة , وما زال الصراع قائما فالاصابع على الزناد والرصاص قابل للانطلاق في اية لحظة ومهارة القتل بين الفلسطيني واخيه مهارة لم “ نسطع “ سحبها على المحتل الصهيوني .

الخليج العربي يعاني من اعراض مذهبية دفينة في بعض اقطاره ومشرعة في بعضها وتلبس لبوسا برلمانيا وسياسيا في بعضها الآخر , فالوضع الاقتصادي الذي اشعل بالاضافة الى الحرية والعدالة الاجتماعية شوارع العرب نجح في الدخول الى البحرين بثوب طائفي بغيض , وتسلل الى المحافظات الشرقية في السعودية بنفس البُغض , وأخفى طائفيته بثوب سياسي برلماني في الكويت , اي ان التفرقة وضعف التماسك الاجتماعي حالة عربية عامة , ورغم ان الاردن لا يعاني من ازمة حادة بين الدولة والشعب , الا ان الجميع يدرك مقدار ضعف التماسك الاجتماعي ومساحة الافتراق السياسي وتنامي الهويات الفرعية وارتفاع منسوب الغضب الاجتماعي والاحتقان بين المحافظات والعاصمة التي تتهمها المحافظات بالسطوة على مقدرات البلاد . هذا العرض السريع للاجابة الامريكية على السؤال المطروح بعد فيتنام او في العام 1975 , الا يدفعنا للتفكير قليلا بما جرى ويجري , ونحن في شهر التفكير والتأمل؟ كل عام وكل رمضان وانتم بخير , على أمل التأمل والمراجعة .