0020
0020
previous arrow
next arrow

بعد إلغاء 308: نظرة للجهة الأخرى

-نشوة الانتصار التي يستشعرها الجميع اليوم بعد أن تم إلغاء المادة 308 سيئة السمعة، ينبغي أن لا تنسينا أن ثمة عملا جادا وطويلا ومضنيا أمام النخب ليتماشى المجتمع مع ثقافة هذا التغيير المهم.
القوانين تأتي من أجل فرض العدالة في المجتمع، لكن الهدف النهائي المطلوب هو أن تتغير ثقافة المجتمع، وأن يبدأ بالنظر إلى المغتصَبة على أنها ضحية، لا أن تستمر النظرة السائدة من قبل، والتي تعتبر الفتاة شريكا في الجرم، بما يستتبع تهمة الشراكة هذه من تدمير للفتاة وعائلتها.
تغيير الثقافة السائدة التي نتحدث عنها، يرتبط بتغيير المفاهيم جميعها تجاه المغتصَبة، وأن نتعامل معها على أنها شخص وقع عليه جرم كبير، ومن حقها على الدولة والمجتمع أن يساهموا في علاجها وإخراجها من حالة الصدمة والدونية والخجل والعار والإهانة والقلق التي تعقب هذا النوع من الجرائم.
نعم، لقد سجلنا نصرا تشريعيا كبيرا بإعادة العدالة إلى مجراها في قضايا النساء المغتصبات من خلال عدم وقف الملاحقة للجاني إذا قرر الزواج من ضحيته، وعدم منحه أي عذر تخفيفي في هذا السياق، ولكن يبقى الجانب الإنساني من المعادلة، والذي يتوجب أن ننظر إليه على أنه جزء من إحقاق العدالة، ولا يقل أهمية عن الجانب التشريعي، فهناك فتاة تم انتهاك خصوصيتها، وهي غالبا ستتعرض إلى ارتدادات نفسية عنيفة، يرى علماء نفس أنها قد تلجأ معها إلى عملية مستمرة لتدمير الذات. هذه الضحية يتوجب أن تكون محل اهتمام كبير.
ما هي برامج العلاج والتأهيل ومجموعات الدعم النفسي التي يتوجب توفيرها من أجل أن ننزع منها ثقل التجربة، والمرارة والذل والهوان التي تستشعرها؟
ثم هناك الأهل، الذين ما يزالون يعيشون “الشرف الجمعي” المرتبط أساسا بالمرأة في المفهوم العربي. وبصفتهم “ضحايا ملحقين”، كيف يمكن نقلهم من حالة الشعور نفسها التي تهيمن على الضحية، وإعادتهم إلى المسار الصحيح في أن يكونوا سندا للفتاة في محنتها، وأن ننقلهم من أداة ضغط على الفتاة وتحميلها جزءا من المسؤولية، إلى حضن أمان لها يسهم في حل مشكلتها النفسية.
وهناك المجتمع ككل، والذي ما يزال يمارس “همزا ولمزا” كبيرين تجاه الفتاة في قضايا الاغتصاب، ولا يعتبر هذا الانتهاك مثل أي جريمة أخرى، وغالبا ما يمارس التعاطف المعلن للضحية على الملأ والإدانة المبطنة لها في السرّ والحلقات الضيقة.
ثمة عمل كبير يتوجب التفكير في ابتكار آليات عمل له، من خلال برامج خاصة تستهدف الضحايا وأهاليهن، والذين يضطرون إلى اختبار مثل هذا النوع من التجارب المريرة.
ما تحقق من إلغاء المادة 308 كان إنجازا حقيقيا بكل تأكيد، ولكننا هنا لا نتكلم عن العدالة بمفهومها الضيق، بل بالمفهوم الواسع الذي يتوجب أن يأخذ الضحايا في منظوره، وأن يوفر لهم؛ مغتصبات وأهلا، دعما نفسيا واجتماعيا، لا أن نتركهم في مواجهة أنفسهم أو المجتمع الذي غالبا ما يقوم بدور الجلاد، ويمارس رقابته المريضة على المشهد، من دون أي تعاطف، بل من خلال تنظيرات جوفاء متجذرة عن الشرف وحفظ النفس والتفريط فيها، من دون أي اعتبار للمحددات الإنسانية التي ينبغي أن تحكم تصرفاتهم وأقوالهم، ومن دون أن يلتفتوا إلى فعل الجبر الذي تخضع له الضحية  في جريمة الاغتصاب.
هذا التغيير يتعدى عمل الدولة نحو جميع المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، خصوصا الإعلام، إذ لا بد من أن نعمل جميعنا على إعادة تعريف معنيي المجرم والضحية.