0020
0020
previous arrow
next arrow

نساء مدقوقات الحقوق

هل هي أجيال على وشك الإندثار ، أم هي أجيال ستبقى على قيد الفجيعة، لكن سيختلف نوع الخنجر ومدى مسنونيته ومكان الطعنة الأولى وطريقة القتل ؟؟؟ ليس المهم أن نجد الجواب الشافي ، فالقضية جدلية وستبقى ما دام المجتمع البشري موجودا ، وتحديدا في الدول التي لا تسيطر عليه القوانين والأنظمة ، بل هي محكومة بمنظومات شعبية ما قبل دينية .

أتحدث عن جيل من النساء عاصرته طفلا ، وما زلت أرى منه احيانا بعض نماذج متناثرة هنا وهناك حولي . وهي امرأة لن تستطيع أن تفرقها عن بقية النساء الا اذا جلست قربها أو سمعت منها …..الشكوى واحدة ومتشابههة كأسنان القرش.

– أخواني ضحكوا عليي في الورثة ..بصّموني ع وراق مش عارف شوفيها لأني ما قرا ولا بكتب ..وطلعت من الدنيا بلا دين.

– أمي ما قبلت تجوزني الا بعد ما تنازلت لخواني عن كل حصتي في ورثة أبوي.

ولكل واحدة من هذه النسوة حكاية مؤلمة، وغالبتهن يعشن حياة مفرطة في الفقر، بينما الأخوة يبرطعون في الأرض والبيوت بلا أدنى ذمة ولا ضمير، وعلى الأغلب لا يأبهون بأخواتهم على الإطلاق، ويمكن ادراك مدى فداحة الموضوع اذا راجعت سجلات دائرة الأراضي ستجد ملكيات الرجال تزيد عن 90% من ملكيات الأراضي للأفراد. لكن الغريب الغريب ..إن هذا الرجل الأحمق لا يجد من يبكي عليه بحرقة وصدق حين يموت ..سوى تلك الأخوات المنبوذات…يا لقلب المرأة!!

يمكن ملاحظة هذا النوع من النساء في المطاعم ..اذا تلفت حولك ستجد احيانا رجلا أو اكثر بشوارب فخمة ووقار كبير وربما يرافق زوجته أو ابنه الأصغر ، أما ضيف اشرف على الطاولة فهي أخته ،وسوف تعرفها من تلفتها الدائم وخوفها لشعورها الغربة في هذا المكان الذي تدخله للمرة الأولى . الرجل يطلب مشاوي ويبدأ بتلقيم اخته اللحم رغما عنها ويشربها الببسي وخلافه ، وهو ينطر الى ساعته ، محاولا انهاء وجبة النغنغة – الخديعة، للأخت قبل أن تغلق دائرة الأراضي أبوابها – فهولا ينوي أن يخسر وجبة اخرى في اليوم التالي- ..وهكذا بسيخ كباب وسيخ شيش طاوو وقنينة ببسي …تنتقل حقوق المرأة بأكملها،للبعيرالمرافق.

طبعا (دق حق) المرأة في الميراث عادة اجتماعية ترفضها الأديان، لكن النزعة العشائرية والذكورية في التسلط وتجميع الأرض والسلطة في ذات العائلة أو العشيرة هي المسؤولة عن الإفرازات الأجتماعية الفاسدة ، لأن كل سلطة مفسدة، اذا تجاوزت حدودها ، وكلما كبرت السلطة كلما تجاوزت حدودها بالضرورة ، لأن لديها نزعة توسعية كولينيالية كجزء من تكوينها البنيوي . ولا يمكن أن يضبط هذا الظلم السلطوي سوى الأنظمة والقوانين والمجتمع المؤمن بالديمقراطية والحرية .

مايقع على النسوة من ظلم يقع على المجتمع بأكمله اذا كانت السلطة أكبر من القانون ، وكلما كبرت السلطة كلما كبر فسادها وتمأسس وصار يضع القوانين ويعدلها و(يقيفها) على مقاس كرشه .

هذا ما نعاني منه بالضبط يا سادة يا كرام ..وجميعنا ولايا مدقوقة حقوقها عن سابق اصرار ولاحق تصميم …ليس في الأرض فحسب، بل في ابسط الحقوق المنصوص عليها في القوانين . مثل حق العمل والمسكن وتأمين الطعام والشراب والكرامة …والتعبير عن النفس بحرية …والغريب الغريب ايضا، أنه حينما تحصل مصيبة للوطن لا يجد من يبكي عليه ويدفع حياته ثمنا، سوى الفقراء المعدومين المنبوذين من السلطات.

الواضح تماما، أنه اذا استمر المجتمع في التعبير عن نفسه بمجرد على طريقة السيدات المدقوقات،فسوف تستمر الماساة ..ماساتنا …الى الأبد.

ghishan@gmail.com