0020
0020
previous arrow
next arrow

لماذا لا تهاجم داعش إسرائيل؟؟!

بخصوص الإجابة على السؤال الذى يتم طرحه دائماً وهو ” لماذا لا يهاجم تنظيم داعش إسرائيل ” فقد نشر موقع ناشيونال إنترست تقريراً يتناول هذا الأمر بالتحليل الذى يعتمد على قراءة سياسة كلا الطرفين تجاه بعضهما البعض .

حيث بدأ التقرير بالإشارة إلى أنه في أعقاب هجمات أورلاندو بالولايات المتحدة الأمريكية، وإسطنبول في تركيا الأخيرة، أكد الرئيس الأمريكي، باراك أوباما عزمه على “تدمير” تنظيم الدولة عن طريق تطبيق استراتيجية تجمع بين الضربات الجوية، وعمليات الوحدات الخاصة مدعومة بوحدات من القوات البرية العسكرية.

بينما يعتقد المرشحان اللذان يراهنان على خلافة أوباما في البيت الأبيض، أنّ دور الولايات المتحدة في محاربة تنظيم الدولة يجب ألا يقتصر على هذه الاستراتيجية، فالمرشح الجمهوري، دونالد ترامب يرى أن الولايات المتحدة يجب أن تمطر تنظيم الدولة بالقنابل، في حين وعدت هيلاري كلينتون بإزالة التنظيم من الوجود، ورغم اختلافاهم حول الاستراتيجية المعتمدة في الحرب على الإرهاب، فإن هدفهم واحد؛ القضاء على تنظيم الدولة.

ولقد أصبح مصير تنظيم الدولة اختبارًا حقيقيًا لمدى نجاح الاستراتيجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب، في الوقت الذي يعتبر فيه البعض، أن هذه الاستراتيجية تتجه نحو الفشل، لكن الولايات المتحدة التي لديها تجربة طويلة في مكافحة الإرهاب تبدو أكثر إصرارًا على مواجهة تنظيم الدولة، من أي دولة أخرى.

يشير التقرير إلى أن تنظيم الدولة أقرب جغرافيًا إلى إسرائيل منه إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ودعا هذا التنظيم في أكثر من مناسبة أنصاره إلى مهاجمة الدولة اليهودية، ووعدهم بالسيطرة عليها وضمها لخارطة الخلافة، رغم كل هذه الحقائق، فإن الجيش الإسرائيلي ما زال يستبعد فرضية التدخل العسكري المباشر ضد تنظيم الدولة.

ويمكن أن يشكل تنظيم الدولة بما لديه من قوات قتالية تهديدًا حقيقيًا لإسرائيل، التي قد تفقد مئات الأشخاص في أي لحظة، لكنها ما زالت رغم ذلك تصر على اتباع استراتيجية لم تكن حتى على قائمة الاستراتيجيات الأمريكية المحتملة ضد تنظيم الدولة.

وتعتمد إسرائيل على استراتيجية مهملة سبق أن لجأت إليها الولايات المتحدة في مواجهة خطر المد الشيوعي خلال الحرب الباردة، وتقوم هذه الاستراتيجية على الترقب واليقظة في مواجهة التهديدات المحتملة لتنظيم الدولة، وإن الولايات المتحدة على ما يبدو غير قادرة على توظيف نسف الاستراتيجية التي تعتمدها إسرائيل، نظرًا للاختلافات الجذرية بين التركيبة الأمنية لإسرائيل مقارنة بالولايات المتحدة، التي واجه تهديدات حقيقية من أعداء مجهولين على حدودها، لكن هناك عديد الدروس التي يمكن أن تتعلمها الولايات المتحدة من إسرائيل لضمان أمنها.

إن استراتيجية إسرائيل في مواجهة خطر تنظيم الدولة تبدو واضحة ودقيقة، وتتمثل أساسًا في إقناع تنظيم الدولة بعد شنّ أي هجمات متهورة من خلال التهديد بعكس الهجوم، بمعنى آخر، فإن إسرائيل نجحت فيما فشلت فيه دول أخرى، بعدما أقنعت تنظيم الدولة أنها سترد بقسوة على كل هجوم أو تهديد لأمنها، وهو ما يعني خسارة حتمية لتنظيم الدولة.

وإن هذه الاستراتيجية ظهرت أساسًا خلال فترة الباردة، وتعتمد هذه الاستراتيجية على الآليات الثلاثة، التي تتمثل في الوضوح والمصداقية والقدرة، ويعني الوضوح تحديد الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها، وإعلام العدو أو مصدر التهديد حول هذه الحدود باللغة التي يفهمها، وتعني القدرة امتلاك الإمكانيات القتالية التي تسمح لك بتكليف العدو أكثر مما يمكن أن يستفيد منه إذا دخل معك في حرب، أما المصداقية فتعني الاستعداد للقيام بكل ذلك، إن فشل هذه الاستراتيجية يرتبط أساسًا بفشل إحدى عناصرها، أي إنه إذا قام العدو بتجاوز أحد الخطوط الحمراء، فاكتفيت بالتهديد والوعيد، فإن ذلك سيشكل تجاوزًا لقاعدة الثالثة، ومهما كانت حدة التهديدات التي سأقوم بها في المرة المقبلة، فإنها ستفقد تأثيرها في العدو، لأن هذه التهديدات بدأت تفقد تدريجيا مصداقيتها.

وتعتبر الفكرة التي تقوم على ترهيب تنظيم الدولة وردعه بين أصحاب اتخاذ القرار في الولايات المتحدة، سخيفة وساذجة؛ لأن عدد من الأمريكيين يعتقدون فقط أن الإرهابيين مصممون فقط للقتل، بينما يعتقد آخرون أن منطق تنظيم الدولة لا يخضع للتكهنات، فلا يمكن مثلًا التفاوض مع مجموعة مسلحة تعتقد أنها تخدم هدفًا نبيلًا في الحياة دون أن يؤدي ذلك إلى نتائج وخيمة، إلا أن المنطق الأمريكي في التعامل مع التهديدات الإرهابية ما زال تحت الصدمة بسبب تأثير أحداث 11   سبتمبر التي استهدفت برج التجارة العالمية، والبنتاجون.

إذا اختارت دولة ما اعتماد سياسة ردع والترهيب في مواجهة أي خطر محتمل من منظمة إرهابية لديها القدرة على قتل مئات الأشخاص، فكيف يمكن لدولة مماثلة أن تستطيع الدفاع عن نفسها أمام مواطنيها عندما يقوم تنظيم الدولة بشنّ هجوم مثل هجوم باريس؟.

ويدرك المراقبون للوضع الأمني في منطقة الشرق الأوسط، أنّ إسرائيل تملكتها حيرة في البحث عن الاستراتيجية المناسبة في مواجهة تنظيم الدولة، لكنها خرجت في النهاية بحلول لا تتناسب مع طبيعة وضعها الداخلي.

وفي نهاية المطاف خلص المسؤولون الإسرائيليون إلى أن الحلول المثالية لا يمكن أن تناسب واقعهم الأمني، ولذلك واصلت إسرائيل اعتماد سياسة الردع والترهيب، ليس في مواجهة تنظيم الدولة فقط ولكن في مواجهة الدول مثل إيران، سوريا، ولبنان، والتنظيمات الأخرى، مثل القاعدة، وتنظيم الدولة.

وما زالت إسرائيل ترفض المغالطات التي تروج لها الولايات المتحدة في كل مناسبة، لتذرنا “أن تنظيم الدولة يشكل تهديدا للعالم المتحضر”، وإذا كان باراك أوباما يعتقد حقًا أن “محاربة تنظيم الدولة” تشكل أولوية برنامج عمل الولايات المتحدة، فإن إسرائيل لا ترى في تنظيم الدولة سوى أولوية على قائمة أعمالها التي تضم أسماء عديدة لمنظمات مختلفة.

وإن مشروع الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب أقصى تمامًا إسرائيل من حساباته، فالدولة العبرية تعتمد أساسًا على استراتيجية خاصة تقوم بتطويرها بما يتماشى مع خصائص كل عدو، وبما يسمح لإسرائيل باتخاذ إجراءات محدد في كل حالة، وهو ما يقتضي القيام بحسابات دقيقة حول العدو، وطبيعة قدراته، وردود فعله، وتحركاته وعملية اتخاذ القرار داخله، ولذلك تسعى إسرائيل إلى تغيير “حسابات” أعدائها من خلال تنبيههم للنتائج المحتملة لأي مواجهة معها، وتذكريهم بالنتائج السابقة في الماضي.

ويقرّ الجيش الإسرائيلي بأن هذه الاستراتيجية يمكن أن تفشل أحيانًا، وهو ما قد يكلف الإسرائيليين مقتل عشرات الأرواح، لكن إسرائيل تدرك جيدًا أن هذه الاستراتيجية الغريبة، يمكن أن تنجح أحيانًا في ردع التنظيمات الإرهابية بطريقة أكثر نجاعة من أي وسيلة أخرى، ولذلك ما زالت إسرائيل تعمل على تطوير نموذج جديد للردع.