0020
0020
previous arrow
next arrow

عطوان يكتب عن ''صفقة تسليم العيطان''

وكالة الناس – حقق تنظيم “القاعدة” والجماعات “الجهادية” التي تتبنى عقيدته سابقتين قضائيتين على درجة كبيرة من الاهمية انطلاقا من ليبيا تتمثلان في اختطاف دبلوماسيين اجانب والافراج عنهما في اطار صفقة تبادل لمعتقلين اسلاميين في سجون حكومات عربية.

السابقة الاولى عندما اقتحمت مجموعة مسلحة السفارة المصرية في طرابلس واختطفت خمسة دبلوماسيين مصريين كرد على اعتقال قوات الامن المصرية للشيخ ابو عبيدة الزاوي احد قادة حركة انصار الشريعة، وسارعت السلطات المصرية في الافراج عنه رضوخا لمطالب الخاطفين وتمت عملية التبادل في زمن قياسي لا يزيد عن اربعة ايام.
السابقة الثانية تجسدت يوم امس في عودة السفير الاردني فواز العيطان في الطائرة العسكرية نفسها التي اقلت الجهادي الليبي محمد الدرسي الذي كان معتقلا في السجون الاردنية ويقضي عقوبة السجن مدى الحياة بعد ادانته بمحاولة تفجير مطار الملكة عليا المدني لصالح تنظيم “القاعدة”.

***

السلطات الاردنية حاولت ان تغطي نفسها قانونيا عندما سارعت، وقبل اقل من اسبوع، على توقيع اتفاق مع نظيرتها الليبية ينص على تبادل السجناء بينهما يضفي صيغة “انقاذ ماء الوجه” على عملية اطلاق سراح المعتقل الدرسي، ولكن الاخير لم ينقل من سجن في عمان الى سجن آخر في طرابلس او بنغازي، لاكمال بقية عقوبته مثلما نص الاتفاق وانما الى منزل اسرته مثلما اكد شقيقه لوكالات الانباء العالمية وسيظل فيه حرا طليقا.

هاتان السابقتان ستشجعان حتما “الجماعات الجهادية” على المزيد من اعمال الخطف لـ”تحرير” رجالها في المعتقلات العربية الواحد تلو الآخر، ولن نفاجأ اذا ما اقدمت خلايا تابعة لها او فروعها في سورية والعراق (جبهة النصرة والدولة الاسلامية” على خطف دبلوماسيين اردنيين في ليبيا او دول اخرى، واخذهم كرهائن، والمطالبة باطلاق سراح قيادات اسلامية معتقلة في الاردن مثل الشيخين عمر ابو بكر (ابو قتادة) وابو محمد المقدسي (منظر الجماعات الجهادية) على سبيل المثال لا الحصر.

الغريب في الامر ان السيد ناصر جودة وزير الخارجية الاردني نفى في البداية الاعتراف بصفقة التبادل هذه، واكد ان السلطات الاردنية تفاوضت مع الدولة الليبية وليس مع جماعات “ارهابية” ليتبين له ولنا لاحقا، ان هناك صفقة، وان السلطات الاردنية تفاوضت فعلا مع اسرة محمد الدرسي التي خطفت السفير الاردني، عبر وسطاء “مستقلين”، وكان وزير العدل الليبي آخر من يعلم لانه ببساطة لا توجد حكومة في ليبيا، شرعية او غير شرعية.

السيد جودة، وبعد ان انتشرت تفاصيل عملية التبادل، وهذا امر طبيعي لان اسرة الدرسي كشفت تفاصيلها بطريقة تنطوي على الكثير من التحدي، واعترف محقا، “نحن لسنا الدولة الاولى، ولن نكون الاخيرة، التي تفرج عن سجناء او سجين مقابل حياة سفير او مسؤول او مواطن مخطوف”، مضيفا “لا شيء اغلى من حياة السفير وهدفنا كان اطلاق سراحه ليعود الى اهله وعشيرته وهذا ما تحقق”، ولكن هذه هي المرة الاولى، على حد علمنا، التي تضطر الحكومة الاردنية على صفقة تبادل كهذه تحت تهديد الخطف.

الآن وبعد ان هدأ غبار عملية الخطف هذه التي استمرت ما يقرب من الشهر، هناك دروس عديدة يجب ان تستوعبها الحكومات العربية، ابرزها ان القضاء العادل المستقل وغير المسيس هو الضمانة لها ولمسؤوليها في المستقبل على صعيد حفظ ارواحهم، فالعدل اساس الحكم.

كان لافتا ايضا ان السفير العيطان حرص على التأكيد فور وصوله الى مطار عمان “ان الخاطفين من اسرة الدرسي عاملوه معاملة حضارية وانسانية بارك الله فيهم” وهذا درس آخر للسجانين العرب وفي دوائرهم الامنية حيث يتفننون في اهانة المعتقلين، ودوس كرامتهم، اثناء التحقيق معهم جسديا ونفسيا، وهناك مئات بل ربما آلاف الامثلة المرعبة في هذا المضمار يضيق المجال لحصر بعضها ناهيك عن كلها.

لا نعرف اذا كانت السلطات الاردنية وبعد انتهاء هذا الفصل المؤلم بطريقة مفرحة تشعر ببعض الندم على دورها في التدخل عسكريا، جنبا الى جنب مع قوات الناتو في ليبيا، وهو التدخل الذي اسفر عن حالة الفوضى الحالية التي لخصها السفير العيطان بكلمات معدودة وبليغة بقوله “ان الاوضاع في ليبيا لا تسر كثيرا” وان جرعة هذا الندم ربما تزداد عندما تدرك ان قواتها الخاصة التي كانت من “حرر” طرابلس قاتلت جنبا الى جنب مع اعضاء في اسرة الجهادي الدرسي او تنظيمه الاسلامي المتشدد لنصرة “الثورة الليبية”؟

***

لم نقصد من هذا الكلام ان نقلب المواجع وافساد فرحة عودة السفير سالما غانما الى اهله وعشيرته التي اثلجت صدورنا، وانما التذكير، مجرد التذكير، ببعض الوقائع المعروفة وجرى نسيانها، والتحذير من تكرار الاخطاء نفسها خاصة في دول الجوار الاردني، حيث يتعرض الاردن لضغوط كبيرة لزيادة جرعة التدخل العسكري، وينخرط في مناورات الاسد المتأهب واشباله.

ختاما نعتقد ان عودة السفير العيطان او بديله الى السفارة الاردنية في طرابلس قد تطول لان هناك معتقلين اسلاميين آخرين في السجون الاردنية، من انصار تنظيم “القاعدة” او القريبين منه اولا، ولان حالة الفوضى وعدم الاستقرار في ليبيا ودول عربية فاشلة اخرى مرشحة للاستمرار لسنوات قادمة او هكذا نعتقد.