0020
0020
previous arrow
next arrow

مدرسة المرجَّم الثانوية للبنات

بقلم الدكتور محمد القصاص

 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمين وبعد : –

كبيرة هي أحلامنا بحجم عقولنا وأفكارنا وثقافاتنا ، وتطلعاتنا إلى المستقبل ، هي عظيمة كعظم تلك الجبال المحيطة الشامخة ، أما آمالنا الكبار ، فهي عنيدة وجبارة ، ولا تقف كلُّ معوقات الحياة في طريقها ، وفي خضم التجاذبات التي نواجهها كل يوم في حياتنا العملية ، نجد الكثير من المخلصين والأوفياء الذين يحملون على عاتقهم هموم الحياة بكل آلامها وآمالها ، وما يترتب عليها من مسئوليات جسام ، إن مجتمعاتِنا اليوم ، تُعوِّل كثيرا على إصلاح الجيل القادم من أبنائنا وبناتنا ، بل ويضعون بهم كل آمالهم وتطلعاتهم نحو مستقبل واعدٍ عظيم ، جيلٌ ينهض بالوطن نحو غد مشرقٍ ، وحياة أفضل .

بمحض الصدفة قادتني خطاي بالأمس ، إلى حيث حطَّتْ رحالي في صرح من صروح التعليم في محافظتنا الحبيبة عجلون ، بالذات في رحاب مدرسة المرجم الثانوية للبنات ، بزيارة مفاجئة كانت هي الأولى من نوعها لتلك المدرسة .

وما أن وصلنا إلى بوابة المدرسة بدون تخطيط مسبق وبلا سابق إنذار ، كانت المفاجأة الكبرى ، أن قابلتنا سعادة الأستاذة بسمة المومني – مديرة مدرسة المرجم الثانوية للبنات ، بالترحاب والاحترام ، ولدى جلوسنا في مكتب المديرة ، استحوذ على اهتمامنا ذلك الترحيب البالغ والاستقبال الحارّ ، الذي قابلتنا به سعادتها في رحاب المدرسة ..

أدخلتنا إلى مكتبها ، وعبارات الترحيب لم تتوقف ، لم يكن الأمر بالنسبة لي عاديا أو بسيطا ، لكن الغرابة في أن أرى من حولي منظرا يعج بالجاذبية ، فقد رأيت من حولي ما يشبه حديقة رائعة تعج بالنباتات الخضراء ، موزعة بترتيب جميل يأخذ بالألباب ، الأمر الذي جعلني أن أكوّن انطباعا فريدا عن تلك المديرة بما تتمتع به من ذوق راق صفات جميلة ، ولكن الأكثر غرابة هو أنني وجدت نفسي بحضرة إنسانة عظيمة ، ذات شخصية جذابة قوية ، شديدة حيثما يكون للشدة ضرورةً ، وإنسانةٌ حيثما تتطلب منها الإنسانية أن تكون ، واثقة من نفسها تمام الثقة ، لا تتهاون في الواجبات ، ولا تسمح بارتكاب الأخطاء من قبل أي كان ، لكن الأكثر إثارة كان بالنسبة لي ، هو ذلك الانضباط الشديد والهدوء التام الذي يلاحظه الزائر لتلك المدرسة منذ دخوله إليها ، إضافة إلى ما يلحظه المرء من تفاهم وألفة ما بين المديرة نفسها وطاقمها التعليمي من المعلمات وطالباتها .

وما لفت انتباهي أكثر هو تلك الروح الراقية والنفسية العالية التي تتمتع بها الأستاذة بسمة ، حيث تكلمت عن هذا المستوى الرفيع الذي بلغته المدرسة ، فنسبته إلى تعاون الجميع وتضافر جهودهم ، ولم تنسبْهُ إلى نفسها فحسب ، بل أشادت بالجميع ، وبرقي الطالبات ، ودعم المجتمع المحلي وتعاون الأهل في البلدة ، ما كان له أكبر الأثر في نفسي حقيقة .

وطاقم المدرسة الذي يتكون من مديرة المدرسة إضافة إلى ثمانية عشر معلمة ، وثلاث إداريات ، بمدرسة عدد طالباتها بالتحديد (مائة وإحدى ثلاثين طالبة ) ، وما تتميز به مدرسة المرجم الثانوية للبنات ، أنها قدمت للمجتمع طالبات من المبدعات اللواتي كن من أوائل الطلبة في الثانوية العامة خلال السنوات الماضية ، وبعضهن تخرجن من الجامعات في مجال الطب والهندسة وتخصصات أخرى لا تقل أهمية ، وبهذا الإنجاز فقد التفت المسئولون إلى المدرسة بما تستحق من تكريم ، فحصلت المدرسة  على (خمسة) كؤوس لتفوق طالباتها بالثانوية العامة .

 

واستنادا لما عرفناه عن هذه المدرسة من همة عالية وتصميم فريد ، كان جادا وصادقا ، نجد أن سفينة العلم في هذا الصرح المتميز ما زالت ماضية بكل قوة وإصرار لتمخر عباب هذا الكون المتلاطم بأمواجه الصاخبة , بثباتٍ ورباطةِ جأشٍ , وتصميمٍ على تحدي الصعاب , وتجاوز كل العقبات التي تعترض المسيرة , لتصل بالتالي إلى برِّ الأمان .

حقيقة لم أجد بدا ، وقبل أن أبرحَ هذا الصرح التعليمي العظيم حتى أحسستُ  بشيء من الفضول حيث تولدتْ لديَّ رغبةٌ شديدة قصدتُ منها الإطلاع بشكل أكثر ، لكي أتبين حقيقة أسباب ومسببات ما يجري في هذه المدرسة من أمور إيجابية ، تسببت  بتمييزها عن غيرها ، فوصلت إلى ما وصلت إليه من هذا الانضباط  والهدوء والوفاق والتفاهم التام ما بين جميع أعضاء طاقم الهيئة التدريسية ، إضافة إلى ما رأيناه من اهتمام كبير بالعنصر البيئي والمظهر العام ، فهذا كان سببا آخر مهما يستحوذ على احترامنا وإعجابنا بحقيقة ما رأينا ، وحقيقة أخرى لاحظناها من خلال مشاهداتنا المباشرة لمظاهر بعض الغرف الصَفية في تلك المدرسة من حيث النظافة والترتيب والنظام والهدوء ، وحتى المظهر العام بالساحة الخارجية للمدرسة ، نعم ، يحسبها المرء وهو يدخل إليها وكأنه يدخل إلى حرم جامعة من الجامعات المتميزة بما يحيط بها من جمال وروعة ، ولهذا فإن ما رأيناه في هذه المدرسة ما هو إلا حقيقة واضحة تنبيء عن تفاهم الجميع ووفاقهم ، وإصرار من قبل الكل على النهوض بالمستوى البيئي والجمالي للمدرسة من كافة النواحي ، تماما على عكس ما قد يراه المرء عندما يزور مدارس أخرى عديدة بما يلحظه من تسيب وانفلات ما بين الطالبات وما يشوب بعض الصفوف من فوضى وعدم انضباط ، إضافة إلى عدم الحفاظ على العنصر البيئي ، وللأمانة فإن من يقوم بزيارة هذه المدرسة سيجد الفارق كبيرا وشاسعا ، والاختلاف ملحوظا وبينا ، وقد يُرجعُ الأسباب أساسا إلى حجم الانتماء والإخلاص الذي تتمتع به طواقمها ، إضافة إلى قدرتها على العطاء ، وقدرة على تجاوز المهام الصعبة ، والتغلب على المعوقات والعقبات ، في ظل وجود التصميم الصادق والإصرار الأكيد على النهوض بالعناصر التعليمية والثقافية والأخلاقية في الصرح التعليمي لكي تبرز من خلاله قيمة هذا الانتماء والإخلاص .

ولما كنا قد علمنا بأن أصحاب الكفاءات والمبدعين ، والذين يقومون بالواجبات الموكولة إليهم خير قيام وبكل أمانة وإخلاص ، ويستميتون بالعطاء والبذل والتضحيات ، ولا يدخرون من جهودهم جهدا ولا إمكانية إلا قدموها بكل إصرار وصدق إرضاء لله أولا  ولما تمليه عليهم ضمائرهم ثانيا ، يبرهن هذا على حبِّ النهوض بالمستوى التعليمي ، وبالمسئوليات التي يتحملونها ، إلى أعلى مكانة يمكنهم الوصول إليها .

إن مديرة المدرسة والطاقم التعليمي يبذلن أقصى ما يمكنهن من أجل إعطاء الصورة الصحيحة عن مدى الانتماء لهذا الوطن ولقيادته الهاشمية .

ولكي نكون منصفين ، فإن الاهتمام بالإبداع والمبدعين على صعيد هذا الوطن إنما هو واجب قومي ومقدس يتطلب منا أن نتَّحد جميعنا ونأخذ على أيديهم ونشجعهم على البذل والعطاء ، لتستمر المسيرة ، وتمضي سفينتنا بكل قوة إلى شاطيء السلام .

وعلى هذا الأساس ، فإنني أضع بين يديّ عطوفة مدير التربية والتعليم مطلبا عادلا ، بأن يولي مدرسة المرجم الثانوية للبنات ، ممثلة بمديرتها الأستاذة بسمة المومني وطاقمها التعليمي اهتماما خاصا ، وأن يشملها بالرعاية ومنحها ما تستحق من تكريم ، يليق بمستوى العطاء والجهود والانتماء ، نظرا لما يتمتع به المديرة وأسرة المدرسة التي تديرها وما يميز طاقمها عن الكثير من المدارس الثانوية ، بما يقدمنه من جهود حثيثة ومضنية ، وإذا ما تفضل عطوفة مدير التربية والتعليم بعمل زيارة لتلك المدرسة ، ولاحظ ما نلاحظ ، فإن واجب التكريم لمديرية المدرسة والطاقم التعليمي والمدرسة أيضا يصبح واجبا علينا جميعا وبهذا يمكن أن نقول للمحسن لقد أحسنت .

كما أنني أدعو إلى ترشيح الأستاذة بسمة المومني إلى نيل الجائزة التي تستحق من لدن جلالة الملكة رانيا العبدالله المعظمة .

وكذلك فإنني أدعو عطوفة محافظ عجلون الأكرم  بصفته الحاكم الإداري في المحافظة ، أن يتفضل بزيارة تلك المدرسة ، ليطلع بنفسه على ما أشرت إليه بهذا المقال من جهود مبذولة واهتمام بالغ ببناتنا . وكذلك أدعو وكالة عجلون الإخبارية ممثلة بربانها الأستاذ منذر الزغول كي تتولى التنسيق مع الجهات المسئولة من أجل تكريم هذه المدرسة لتكون أنموذجا يحتذى به على مستوى المدارس الثانوية في المحافظة .

والله ولي التوفيق ،،،،