0020
0020
previous arrow
next arrow

جدل واسع حول الآلية الرسمية الجديدة للتمويل الأجنبي

وكالة الناس – أثار قرار مجلس الوزراء الأخير، بوضع آلية جديدة لحصول منظمات مجتمع مدني على تمويل أجنبي، جدلا واسعا، حيث انتقدها ممثلون عن المنظمات المدنية، باعتبارها مقيدة لعملها ومشاريعها، فيما ردت الحكومة بأن التعليمات قانونية وأنها “توفر إجراءات واضحة وشفافة في التعامل مع التمويل الأجنبي”.

في وقت اعتبر فيه خبراء مستقلون أن ثمة ضرورة لمتابعة حكومية لآليات التعامل مع التمويل الأجنبي وأوجه إنفاقه، لكنهم نبهوا إلى ضرورة أن “لا يعني ذلك أن تكون تلك الإجراءات معقدة أو تتطلب وقتا طويلا”.
ممثلون عن منظمات مجتمع مدني اعتبروا، في تصريحات لـ”الغد” أن الآلية الجديدة “ليست سوى وسيلة لوضع مزيد من القيود على مؤسسات المجتمع المدني، كما أنها تشكل مخالفة لقانون الجمعيات الحالي”. إلا أن الحكومة تبرر الآلية الجديدة بأنها “تعمل على منع الازدواجية في تقديم الخدمة للفئات المستهدفة، والتحقق من الجهة الممولة، والتعرف عليها فضلا عن ربط أي مشروع ممول بالأهداف الإنمائية الوطنية 2025-2015”.
وكان مجلس الوزراء أقر الأحد، في جلسته التي عقدها برئاسة رئيس الوزراء عبدالله النسور، الآلية الجديدة للحصول على التمويل الأجنبي، المقدم للجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني والشركات غير الربحية العاملة في الأردن.
وتضمن القرار التأكيد على “مرجعية وزارة التخطيط والتعاون الدولي واللجنة التنسيقية لشؤون المساعدات الإنسانية لأي طلبات تتعلق بتمويل خارجي، يستهدف اللاجئين السوريين، وبرنامج خطة الاستجابة الأردنية، بما في ذلك المساعدات العينية والنقدية”. 
واعتبرت مؤسسات مجتمع مدني أن التعليمات الجديدة “ليست سوى تدخل سافر في عمل الجمعيات والمؤسسات غير الربحية، وأن الحكومة بإقرارها هذه التعليمات تعدت الدور الرقابي”، محذرة أيضا مما اعتبرته “البيروقراطية والتعطيل الذي سينجم عن سلسلة الإجراءات المطلوبة للتمويل”.
ورأى قانونيون أن الآلية الجديدة “تتعامل مع الجمعيات على أنها تابعة للوزارات، ومنفذة لسياساتها، بينما هي في الواقع والقانون شخصيات اعتبارية مستقلة تتم محاسبتها في حال إخلالها بأي تشريع”.
في هذا السياق، اعتبرت مديرة مركز تمكين للدعم والمساندة ليندا كلش أن “التعليمات مخالفة للاتفاقيات والمواثيق الدولية التي التزم بها الأردن، حيث تحد من حرية تكوين الجمعيات، وهي تدخل واضح في عمل الجمعيات، وتعد للدور الرقابي، حيث ستؤدي هذه التعليمات إلى مزيد من البيروقراطية والتعطيل لعمل مؤسسات المجتمع المدني”.
وتشير كلش إلى جزئية التقارير الدورية، والتي “ستشكل عبئا على المؤسسات بحيث يكون دورها الرئيسي هو كتابة التقارير الدورية والسنوية، بالإضافة إلى ربط الموافقة بالاحتياجات من قبل وجهة نظر الدولة وهو أمر غير مقبول، ويؤدي إلى التدخل في عمل مؤسسات المجتمع المدني وربط الأمور بمزاجية المسؤولين” على حد رأيها.
وفي الوقت ذاته، استغرب نشطاء وخبراء الربط بين التمويل الأجنبي، والأهداف الوطنية الإنمائية.
وقال مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية أحمد عوض إن التعليمات من شأنها أن “تحول الجمعيات والشركات غير الربحية إلى مؤسسات حكومية، وتنفي عنها أي صفة استقلالية، وهذا يتنافى مع فلسفة وجودها كمنظمات مدنية يجب أن تعمل باستقلالية”. 
واعتبر عوض أن التعليمات الجديدة “تعبر عن روحية معادية للإصلاح، لأن فكرة الإصلاح تقوم على توسيع قاعدة المشاركة في عملية صناعة القرار، ووجود مساحات من الحرية لشركاء آخرين للفعل في الميدان، وليس احتكار صناعة واتخاذ القرار والفعل في الميدان، وهذا مؤشر قوي وواضح أن العقل السائد في الأوساط الحكومية مايزال يرفض فكرة وجود شركاء، بل يريدون أتباعا يعملون وفق توجيهاتهم”.
وتابع: “إذا كان المجتمع المدني سيعمل وفق رؤية الحكومة له، فما قيمة مساهمته، فهي تخالف أيضا أبسط مبادئ الحق بالتنظيم والعمل في إطارها، وبالتالي فإن هذه التعليمات تشكل انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان”.
ومقابل رفض مؤسسات المجتمع المدني، بررت الحكومة الآلية الجديدة، على لسان وزيرة التنمية الاجتماعية ريم أبو حسان، بأنها “تمنع الازدواجية في تقديم الخدمة للفئات المستهدفة، والتحقق من الجهة الممولة والتعرف عليها، فضلا عن ربط أي مشروع ممول بالأهداف الإنمائية الوطنية”.
وأضافت، في تصريح لها أول من أمس، أن من شأن ذلك “المساعدة في الحصول على قاعدة بيانات واضحة حول مصادر التمويل، وعدالة التوزيع في كل مناطق المملكة والفئات المستهدفة”.
وأشارت أبو حسان إلى أن ذلك “يساعد في إبراز خريطة وطنية للتمويل والفئات التي تستهدفها، وتوجيه المجتمع المدني للعمل مع الجهات الفاعلة محليا”.
كذلك، اعتبرت مؤسسات مجتمع مدني أن التعليمات والآلية الجديدة “مخالفة للمادة 17 من القانون، والتي تنص فقط على ان يكون مصدر التبرع والتمويل مشروعا وغير مخالف للنظام العام، وأن لا تتعارض شروط التمويل مع أحكام القانون، وأن يتم الإنفاق للغاية التي تم تقديمه من أجلها، لكن واقع الحال أن الآلية وضعت شروطا إضافية غير واردة في القانون، الأمر الذي يعد مخالفة يمكن لمؤسسات المجتمع المدني الطعن بها”. 
وحول المبررات التي استخدمتها الحكومة في إقرار هذه التعليمات، يقول عوض: “توجد أساليب أخرى يمكن استخدامها لتحسين فعالية أداء الجمعيات والشركات غير الربحية، من خلال إجراء مشاورات بين مختلف الأطراف من حكومة وجمعيات وشركات غير ربحية (منظمات مجتمع مدني) للتركيز على الأولويات الوطنية التنموية”.
ويضيف: “لا يوجد أي دليل يثبت أن فعالية المجتمع المدني أقل من فعالية عمل المؤسسات الحكومية، وبالتالي هذه التعليمات الوصائية على المجتمع المدني، تأتي من طرف أصلاً ليس نموذجيا في فعالية أدائه، وتقارير ديوان المحاسبة وهيئة مكافحة الفساد تثبت ذلك” على حد قوله.
ويختم عوض: “الهدف الأساسي لهذه التعليمات يتمثل في إضعاف أدوار وفعالية العديد من منظمات المجتمع المدني التي أصبح دورها لافتا ومزعجا لبعض الأوساط الحكومية خلال الأعوام القليلة الماضية”.
ويوضح الناطق باسم وزارة التنمية الاجتماعية فواز الرطروط أن “الآلية الجديدة توفر إجراءات واضحة وشفافة في التعامل مع التمويل الأجنبي، وأن الحكومة كانت قد تناقشت مع عدد من الجمعيات حول الآلية الجديدة قبل إقرارها، كما أنها تأتي انسجاما مع المادة 17 من قانون الجمعيات”.
من ناحيته، يعبر مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية الدكتور موسى شتيوي عن خشيته من أن “تؤثر الآلية الجديدة على سمعة الأردن الدولية، فيما يخص حقوق الإنسان، تحديدا حرية عمل الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني”.
ويوضح شتيوي: “بالطبع يجب أن يكون هناك متابعة حكومية، لآليات التعامل مع التمويل الاجنبي، وأوجه إنفاقه، لكن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال، أن تكون تلك الإجراءات معقدة أو تتطلب وقتا طويلا”.
وفيما يخص ربط الأهداف الإنمائية الحكومية بالتمويل الأجنبي، بين شتيوي أنه “لا ضير من ربط التمويل الأجنبي للمؤسسات العاملة في المجال التنموي (مكافحة الفقر والبطالة وخطط التشغيل) بخطة الحكومة، بل إن إجراء من هذا النوع سيساهم في تحقيق تناغم أكبر، بين المجتمع المدني والدولة، لكن في ذات الوقت يجب أن لا يكون قبول التمويل محصورا فقط بالأهداف الإنمائية”.
ويشرح شتيوي “هناك جوانب عدة تعمل عليها مؤسسات المجتمع المدني، غير مدرجة ضمن الخطة، وبالتالي عملية الحصر هذه ستلحق ضررا بالفئات والأطراف المستفيدة من خدمات مؤسسات المجتمع المدني، تحديدا في الموضوعات التوعوية والفكرية والحقوقية”. 
إلى ذلك، انتقد المركز الدولي لقوانين منظمات المجتمع المدني، قرار مجلس الوزراء، معتبرا أن هذه الإجراءات “ستفرض مزيدا من القيود على تلك الجمعيات”.
ودعت المستشارة القانونية، المديرة التنفيذية لمكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للمركز، ديما جويحان الحكومة إلى إعادة النظر في القرار، معتبرة أنه “يتناقض بشكل واضح مع نص القانون” على حد رأيها. 
وقال المركز، في تقرير أصدره أول من أمس، إنه “رغم الإدراك أن مسودة النموذج تهدف لتنظيم ما ورد في نص المادة 17 من قانون الجمعيات، إلا أن الآليات الجديدة تفرض المزيد من القيود على نصوص تعتبر مقيدة أصلا فيما يتعلق بالتمويل الأجنبي للجمعيات”.
واعتبر أن اشتراط الموافقة المسبقة للحصول على التمويل الأجنبي “يتعارض مع الاتفاقيات الدولية التي انضم الأردن إليها وأفضل الممارسات الدولية”.
وعرض المركز ملاحظاته على آليات الحصول على الموافقة، أولها الإجراءات المستهلكة للوقت، حيث تنص “أن طلب الحصول على الموافقة يتم تقديمه لمسجل الجمعيات وليس إلى مجلس الوزراء مباشرة كما يقتضي القانون”.
وزاد “إضافة إلى ذلك، ينص القانون على أنه في حالة عدم استجابة مجلس الوزراء لهذا الإخطار خلال ثلاثين يومًا، يُعتبر التمويل مقبولا ضمنيا، إلا أن مضمون قرار مجلس الوزراء يشير إلى أن فترة الثلاثين يومًا لن تبدأ حتى يُعتبر الطلب مكتملا لدى سجل الجمعيات”.
وبين أن الآليات الجديدة “لا تنص على موعد نهائي لاعتبار الطلب مكتملا من قبل السجل، ما يسمح بتعطيل عملية الحصول على الموافقة لأجل غير مسمى”.
وأوصى المركز بتحديد دور سجل الجمعيات في عملية تقييم طلبات التمويل، وربط ذلك بمدة زمنية دون التعارض مع نص القانون.
ومن الناحية القانونية، أوضح المركز أن “المعلومات المطلوبة من جمعية ترغب بالحصول على التمويل تفوق ما ورد بالقانون بدرجة كبيرة.
وقال “إن العديد من الأنشطة المشروعة التي تقوم بها الجمعيات بما في ذلك رصد الفساد أو تسليط الضوء على شكاوى حقوق الإنسان أو تعزيز حماية البيئة، قد لا تكون جزءا من الأهداف الوطنية والتنموية وبالتالي لا يجوز تقييدها”.