0020
0020
previous arrow
next arrow

الثقة الفعلية والفيصلية تأتي من الشارع

الثقة الفعلية والفيصلية تأتي من الشارع
راتب عبابنه
جاءت حيازة حكومة دولة النسور على الثقة امتدادا للإرث النيابي لدى النواب الأردنيين الذين ينحون للأسهل ويحرصون على شعرة معاوية بالإبقاء على الود مع الحكومات أملا بتلبية حاجات واحتياجات يمكن أن تطرأ مستقبلا. وهو إرث يأتي خلاصة ونتيجة للخجل الموروث والتقدير لرأس الدولة الذي اعتاد اختيار رؤساء الحكومات. كما أنه إرث يحرص أصحابه وانطلاقا من الذهنية الكامنة لدى المواطن الأردني عموما بأنه ضعيف أمام سطوة السلطة وهذا الحرص يقوده للحذر من أن يُسجَّل بصحيفته أنه مناكف للدولة حتى لا تشكل مناكفته عائقا أمام حصوله أو حصول ذويه على وظيفة يخضع من خلالها للمجسات الأمنية التي تقرر بالنهاية منحه الوظيفة من عدمه.
ربما يكون النهج قد اختلف في الفترة الأخيرة بسبب الإنتقادات التي كانت توجه للدولة بخصوص ما سمي بالقبضة الأمنية التي برأي البعض كانت تهيمن على التعيينات من رئيس الحكومة وحتى أصغر موظف. ورغم تفهمنا واستيعابنا لشرعية الغربلة الأمنية بالكثير من الأحيان إلا أننا ربما نختلف على الآلية والمعايير التي تستخدم باتخاذ القرار الحاسم.
لقد كانت الثقة النيابية مزيجا من الذهنية التوجسية والإرث الذي طابعه يتسم بالطوعية. والحكومة حازت على الثقة بصعوبة إذ نسبة المانحين كانت 55% مما يعني النصف زائد ثمانية وهي نسبة ضعيفة تدل على تدني شعبيتها. والشعبية الحقيقية لدى الشارع وهي الفيصل ومتدنية أصلا وستتدنى منذ الآن وربما تصل الحضيض.
ما استغربناه وصدمنا وأصابنا بالذهول والإحباط أولئك المانحون للثقة والذين وجهوا بردودهم النارية لدولة الرئيس نقدا وتقريعا وتشريحا غير مسبوق بتاريخ الحكومات التي عددها يفوق عدد سنوات عمر الدولة. وما زادنا إحباطا تحميلهم هذه الحكومة الأخطاء المتراكمة والموروثة من قبل الحكومات السابقة مما جعلنا نعتقد أن الحظ ليس بجانب الحكومة. ولشدة النقد والتقريع أشفقنا على شخص دولته وتمنينا ألا تسوقنا الأقدار لوضع مشابه وتوقعنا أن ينهض عن مقعده بأية لحظة ليقول سأكفيكم شر حكومتي وأقدم استقالتي. والغالبية من الناس, وبعيدا عن الذهنية التوجسية والإرث الطيّع, كانوا يتوقعون استحالة نيل هذه الحكومة الثقة.
ذلك الإندفاع بالنقد اللاذع والمبرر من قبل النواب لدولته وتحميله مسؤولية الفقر والعجز والمديونية والفساد والإنتقائية والمناطقية والتنفيعات الشخصية, خلق لدى المشاهد والمتابع شعورا بوجود نوع من العداء الشخصي. وقد تبين بعد انتهاء التصويت أن ما سمعناه من خطب تقريعية لم يتعدى إرضاء قواعدهم الإنتخابية لأيام معدودات وكأني بهم قد تعاقدوا على صفقة مع الحكومة بالإستئذان بنقدها دون هوادة مع التعهد بمنحها الثقة. هل هناك تفسير آخر للذي شاهدناه؟؟ كيف بهم يقرّعونه وينتقدونه بأشد العبارات ويرفضون كل ما صدر عنه ويحملونه أخطاء ليست من صنعه ثم يمنحوه الثقة؟؟ أليس هذا ضحك على الذقون وخذلان لمن حملوهم أمانة تمثيلهم؟؟
العملية التي رسمت بها الردود والنتيجة الي شاهدناها, أمر يدعونا للظن, ولو أن بعض الظن إثم, بأننا كنا نشاهد تمثيلية هزلية مستخفة مستهترة بالعقل الأردني كرست وعززت الإستهتار الذي اعتادت عليه الحكومات, ضحيتها المواطن الذي ستنحدر ثقته بمانحي الثقة وبالتالي بالمجلس لنسبة متدنية ستخلق باعتقادنا سببا يضاف للأسباب الأخرى التي تحرك الشارع وتزيد احتقانه وغليانه وتقترب به من العنف طلبا للتغيير الإصلاحي الذي يراه يزحف كالسلحفاة دون أخذ أولئك المانحون بمخاطر وانعكاسات تخاذلهم على الوطن والمواطن.
هناك من صدقوا ناخبيهم واحترموا إرادتهم وإرادة الشارع الأردني وحجبوا الثقة وصدقوا وعدهم ولم يخذلوا قواعدهم ولم يلجأوا لعقد الصفقات. حتى وإن غابت الصفقات, فهم مستوزرون وتواقون للقب معالي وامتيازاته. كأني بناخبيهم سيمتنعون عن مجالستهم والنظر لهم كخاذلين متخاذلين عن صون الأمانة التي تشدقوا بها بردودهم وهم يعلنوا أن قواعدهم قد حملتهم أمانة مسؤولية تمثيلهم ولن يخذلوهم. وها هم قد خذلوهم, فكيف سيواجهون من خانوا أمانتهم وتوقعوا منهم تمثيلهم بصدق وأمانة؟؟
وليسأل كل من منح الثقة نفسه ويسأل أي شخص بالشارع السؤال التالي: هل كنت على صواب بمنحي الثقة؟؟ أجزم أن الإجابة ستكون “لا” كبيرة ومدوية, هذا إن سلم من الشتم والتقريع. لقد أسمعونا أن دولة النسور لا يجيد سوى رفع الأسعار وإفقار المواطن والإختباء خلف الملك ويحلل لنفسه اليوم ما دأب على تحريمه بالأمس لتمرير خططه والإمعان بزيادة الأعباء. وقد أسمعونا أن دولته قد جفف ضرع الوطن وأفرغ جيب المواطن وأنه يتناقض مع نفسه وينقلب على مثله ومبادئه وقناعاته التي اشتهر بها نائبا شرسا لا مطمح له إلا رضا الله ورضا المواطنين.
بعد هذه المعارك التقريعية, كيف بكم تمنحوه الثقة؟؟ فأنتم أيها الواثقون من انقلب على نفسه وعلى ناخبيه وعلى الشارع الملتهب الذي ألهبه من سبقوكم من النواب, وها أنتم قد استنسختم أنفسكم عن المجلس (111) مجلس براءة باسم عوض الله ومجلس تمرير اتفاقية الغاز ومجلس منح الثقة لسمير الرفاعي, بنسبة تكاد لا تكون مسبوقة بتاريخ حكومات دول العالم.
وحتى لا يصنفنا المصنفون على قائمة المُشخصِنين وقتلة الشخصية, نوضح أن لا عداء شخصيا لشخص دولة الرئيس بل نكن الإحترام له نزيها نظيف اليد, كما لا عداء لمانحي الثقة لكن خلافنا يندرج تحت التمسك بالصدقية والمصداقية والحرص على احترام حق المواطن وعقله الذي عانى وما زال من الإستهتار والإستخفاف والقفز عن مشاعره وهدر كرامته.
نشكر ونقدر ونرفع قبعاتنا احتراما للذين حجبوا ولم يخذلوا الشارع, إذ جلهم أكدوا على تمثيلهم للأردني أينما تواجد وليس فقط بمناطقهم الإنتخابية, بالمقابل نقول لمانحي الثقة أنكم تزلفتم بما كنتم تتمتعون به من تقدير واحترام لأنكم خذلتموهم ولم تعودوا أهلا لتمثيلهم. وللعنصر النسائي من النواب كل التقدير والإكبار لضربكن مثلا رائعا على وعي وإدراك المرأة الأردنية التي تعي هموم الوطن وكم تمنينا لو كان عددكن أضعاف العدد الحالي.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
[email protected]