0020
0020
previous arrow
next arrow

حكومة باهتة المظهر والجوهر

حكومة باهتة المظهر والجوهر
راتب عبابنه
تشكلت الحكومة بعد مخاض طويل وممل يقارب بظاهره تشكيل الحكومات بالدول ذات الأحزاب البرلمانية المتنافسة والمتناحرة والمتسابقة على تقديم الأفضل للوطن. المشاورات التي استندت على التعيين المشروط والوعد بالإختيار مقابل منح الثقة, هل كانت تحتاج لكل ذلك المد والجزر وكأن الأردن عراقا أو لبنانا من حيث الأحزاب والقوائم والكتل؟؟ هل ما أخرجته تلك المشاورات من أسماء أدهشت النواب أنفسهم يوحي بالتوافقية بحيث تقود الغالبية للرضا والإقتناع بعدالة التوزيع والإختيار على أسس قوامها العزم والنية على إيجاد حلول من شأنها معالجة المشكلات العالقة اقتصاديا وفساديا واجتماعيا وسياسيا؟؟
حكومة لم ترقى لتوقعات النواب بل جاءت صادمة لهم ومخيبة لآمالهم, ناهيك عن نسبة الرضا العام المتدنية جدا لدرجة تنذر بقصر عمر الحكومة. غالبية النواب الذين تم استفتاؤهم تفاجأوا بالتشكيلة وأبدوا دهشتهم وشعورهم بخيبة أمل مررها السيد الرئيس. الكتاب والصحفيون والمتابعون والمراقبون لم تكن آراؤهم بصالح التشكيلة بل أبرزوا المثالب والتحفظات الكثيرة التي جاءت بها الحكومة المشكلة. الناس العاديون والمثقفون لديهم شعور عام بأن الحكومات مهما تغيرت والأسماء مهما تبدلت أو تكررت فلن يتغير شيئا طالما لم يتغير النهج ويتبدل ما في النفوس التي يتولى أصحابها إدارة البلاد.
دولة الرئيس ترك الكرة بمرمى النواب بخصوص إشراكهم بالحكومة ووضعهم تحت الإختبار وأعلن دخولهم الحكومة من خلال تعديل مستقبلي. وهذا الطرح تفوح منه رائحة صفقة تقوم على مفهوم مقايضة الإشتراك بالحكومة بمنح الثقة. وهذا يدل بوضوح على ذكاء ودهاء سياسيين يتحلى بهما دولة الرئيس إذ بذلك يكون قد ضمن بتقديره حيازة الثقة من قبل النواب ما يعني أن يبقى جاثما على كرسي الرئيس لمدة أربعة سنوات.
فكرة توزير النواب لا تروق للغالبية، وتجعل رجوح الكفة بالغالب لصالح الحكومة التي لن تكتسب ثقة الشعب إلا إذا لمس الناس جديتها وصدقها بالعمل على أولوية احترام عقل المواطن ورفع مستوى معيشته من خلال حلول إقتصادية قائمة على وقف التسيب والهدر وتمريغ أنوف البرامكة بتراب السجون وإعادتهم للمال المنهوب.
التوزير للنواب يعني إضفاء الشرعية والمباركة لما تقوم به الحكومة. رُبّ قائل أن بريطانيا صاحبة العراقة التاريخية بالديموقراطية تقوم حكوماتها على مبدأ توزير النواب، فلنا أسوة بذلك. نقول أن الحكومة البريطانية صاحبة ولاية عامة بالمعنى الكامل للكلمة فلا مخابرات تتدخل ولا ديوان يزكي أسماء ولا حكومة ظل ترسم السياسة العامة وليس لدى بريطانيا حكومات تقال وتعين كما تستبدل الملابس. وحقيقة أخرى تتعلق بعدم إستحسان التوزير للنواب هي الشك بأهلية النواب بالمقام الأول بمعنى أن الدولة ليست بريئة من المساهمة بإيصال الكثير منهم لقبة البرلمان. وعليه يكون النائب طوع يد سيده وصانعه وموصله للقبة، فكيف به إذا كان وزيرا؟؟ عندها يُطلب منه أن يشهد للحكومة كوزير ويلتزم الصمت عندما يتطلب الأمر اعتراضا على مقترح أو قانون, ويصبح هو الخصم والحكم وبالتالي المحصلة ونصيب الأسد للحكومة.
وبغياب المعارضة الحقيقية المتمثلة بالحركة الإسلامية من أروقة مجلس النواب يصبح المجلس طيّعا ومطواعا من السهل جدا تمرير ما لا يرضى عنه الشعب الذي لا يرى بالمجلس النيابي ممثلا حقيقيا له. وهذا يعني أن المجلس والحكومة وجهان لعملة واحدة.
هناك سمة تتصف بها الحكومة المشكلة ألا وهي الإبتعاد عن محاصصة المحافظات وتمثيلها بالحكومة لإيصال فكرة أنها تقوم على الكفاءات. هنا نقول أن الأردن يحتوي على اثنتي عشر محافظة, فهل يعقل أن بعض المحافظات تخلو تماما من وجود شخصية واحدة فقط ذات كفاءة تؤهلها لعضوية الحكومة؟؟ لقد كان بالإمكان اختيار شخصية عن كل محافظة والباقون يتم اختيارهم من باقي مكونات سكان الأردن كالأصول الفلسطينية والشركس والشيشان والدروز وغيرهم. إذ بذلك نكون أقرب للعدل والإنصاف ونكون قد قطعنا الطريق على المتقولين وقللنا من دواعي النقد. ربما الحكوميون بدفاعهم وتبريرهم يقولوا أن النقد حاصل بكل الظروف, فنقول تحروا العدل الذي هو أساس الملك واضربوا المثل بحسن الإختيار وابتعدوا عن الإسترضاء والمحسوبية واجعلوا مصلحة الوطن والمواطن همكم الأول وحاربوا كل من يحاول الإساءة للوطن واجعلوا أولى قواعدكم التخفيف على المواطن وليس ابتكار الأساليب التي تقضم ما بجيبه, وبعد هذا النهج الذي لا نظنكم أهلا له, واجهونا بالحقائق والوقائع التي تفند ما ندعيه ضدكم.
ليس القصد اعتماد توزيع الوزراء نسبيا على المحافظات ولكن دحضا لمقولة الكفاءة التي عادة ما يتذرع بها رؤساء الحكومات محاولين إقناعنا بأن ما اختاروه هو الأفضل والأجدر لقيادة المرحلة. مع احترامنا وتقديرنا للأسماء التي تم اختيارها لإدارة البلاد، هناك ضرب من التهدئة مع بعض الجهات التي تحسب لها الدولة حسابا ليس بالهين. هناك زوجة نجل السيد أحمد عبيدات، وهو الشخصية الوطنية الإصلاحية المعارضة التي تلقى تأييدا ومناصرة ودعما من غالبية الأردنيين. هناك وزير الداخلية القريب جدا من القصر والذي حقيقة تشهد له مهنيته بإدارة الشأن الأمني مضافا له الإرث الذي يتمتع به كإبن رئيس وزراء وطني سابق ومن عائلة تغص ” بالديناصورات ” لها ثقلها العشائري والرسمي. هناك وزير الخارجية المتكرر والذي مصاهرته للعائلة الهاشمية لا تعطيه الحق باحتكار مقعد دائم بالوزارات السريعة الإقالة. وكان عديله علاء البطاينة قد انطبق عليه نفس الحال لكنه استثني وربما يعود قريبا, إذ هذا ما اعتدنا عليه من توريث واحتكار. فقد حاول دولة النسور الخروج من هذه الصورة النمطية, لكنه لم يوفق بالكامل. الرمد ولا العما دولتك.
هناك ثلث الوزراء من الأصول الفلسطينية جاء اختيارهم على خلفية مطالبة بعض النواب برفع التمثيل المكون الفلسطيني وصدوعا عند رغبة جلالة الملك التي أفصح عنها بالمقابلة الشهيرة مع مجلة The Atlantic. كما تأتي هذه النسبة كإفراز للتغذية الدائمة من قبل أسماء ذات نفوذ وتأثير كبيرين جدا نعرف حرصها الشديد على تطعيم الوزارات بأسماء محسوبة ومستعدة لخدمتهم وتمرير أجنداتهم الضيقة.
الشركس والشيشان وغيرهم تم القفز عنهم، أو ربما ” ليس ” بينهم من هو مؤهل للمشاركة بالحكومة. الوزارات ذات الوزن الفاعل والمؤثر والتي ترسم ملامح المرحلة القادمة ويتشكل منها الفريق صاحب القرارات الإستراتيجية, تخلو ممن تمرغوا بتراب الوطن وقدموا الأرواح من أجله. ونقطع القول على أي معترض متنطع أو متهِم بالإقليمية والمحاصصة بالقول أن الأمر يسترعي الإنتباه وإلا كنا خرافا لا ندرك ما يدور حولنا. وقولنا هذا يأتي من مخزوننا الوطني, الذي نذود به عن الأردن, ومن يتوقع منا أن نتزلف ونتملق وننافق بثوابت الوطن وأن نقلب الحقائق, لترضى أمريكا وليرضى البرامكة والباعة والسماسرة وأصحاب النفوذ, فهو واهم نلفظه ونرفضه مهما ارتفع مقامه. الوطن أكبر ممن يظن نفسه كبيرا والوطن باقٍ والناس زائلون وحب الوطن من الإيمان وحب من يحب الوطن كذلك.
هناك وزير الصحة السابق السيد عبداللطيف وريكات تم إستبعاده من الحكومة وهو الوزير النظيف اليد والميداني والذي يصل الليل بالنهار والذي تابع من خلال طاقم وزارته المطاعم العالمية ومستودعات التخزين وأغلق ما أغلق من المطاعم وأتلف ما أتلف من المواد الفاسدة, قد تم إستبعاده نزولا عند رغبة حيتان التجارة والغذاء الذين يدخلون ما يفسد بدول أوروبا ويكسبون الملايين من جرائه. بالمقابل نسجل للسيد الرئيس اختياره للدكتور محمد نوح القضاة وزيرا للأوقاف والذي كانت عودته مطلبا شعبيا حثيثا لضربه المثل الناصع بالشفافية والنزاهة والوطنية والعمل الجاد والنهج القويم الذي من خلاله حارب النهب وأوقف العطاءات المليونية وترك وفرا ماليا بوزارته ودعا له الجميع بالخير.
التشكيلة الحكومية جاءت باهتة المظهر والجوهر ولم تنل الرضا الشعبي وها نحن على موعد مع رئيسها بإشراك النواب بالحكومة بعد أن يكونوا قد قدموا ثمن توزيرهم بمنح حكومته الثقة وصولا لحالة ” المرويجية ” بالتشريع والتنفيذ والتمرير والإقرار الذي لن يطال المواطن منه بالنهاية سوى الغلاء وتدني الدخل. كما أننا على موعد مع رفع أسعار الكهرباء والذي سيقرر بالتشاور مع النواب مما يعني ابتزازا آخر لهم مقابل التوزير ومزاياه.
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com