0020
0020
previous arrow
next arrow

ارميمين

 

 

رسائل كثيرة وصلتني على بريدي الالكتروني تحمل لوعة وغصة في الحلق ، وربما لو كانت مكتوبة على الورق لوجدتها ولمستها مبلولة من اثر الوجد الممزوج بالدمع ، رسائل جرحها فيها وأسمه ” سجن أرميمين ” .
لست وحدي من وصلته هذه الرسائل ادري ، ولست أول من يكتب عن بناء سجن ارميمين فقد سبقني من كانوا سباقين دوما في الخير وحب الوطن والشعور بالانتماء والخوف على ذرات التراب الجاثمة فوق أرض هذا الوطن الحر قيادة وشعبا .
فبناء سجن لأصحاب السوابق والمجرمين فوق أرض ارميمين وتهديد الأحراش والأشجار والطبيعة ومشاعر السكان أمر يستصرخ الجميع سواء من فيها – وان كانوا وحدهم من يشعرون حقا بحرقة النار – أم من كانوا خارجها ولا يقطنون فيها طالما أن هذا الوطن يمثل لنا جميعا جسدا واحدا متكاملا إن اشتكى منه عضوا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .
عمان قاطبة لم يعد فيها مكان ، كل الفراغات أصبحت عمارات وشوارع وضجيج وازدحامات ، وطالما تذكرت كيف كانت أراضيها مزارعا للفقوس والبندورة ، أو بيادر قمح ذهبية ، والأشجار والأزهار تغطيها ، بينما هي اليوم كثافات عمرانية تستدعينا لضرورة البحث عن مناطق أخرى ننشدها لتغيير الأجواء وتلطيفها والترفيه عن النفس وربما للخروج عن المألوف أحيانا ، نهرب إليها في إجازاتنا وأوقات فراغنا من الملل وضيقة النفس والضجر ، وحبذا لو كان المكان قريبا كقرب ارميمين بطبيعتها الخلابة ومياهها العذبة وأشجارها الباسقة وخيراتها وأجواءها المريحة ، ناهيك عن طيبة أهلها وسكانها ، كل ذلك سيضفي على النفس والحياة التي نعيش روعة وحيوية ونشاط .
لكن … إذا كان المكان (ارميمين) ، وسكانها وأهلها وطبيعتها تشتكي من بناء السجن فوق أراضيها ، الذي إن دل على أمر لن يدل إلا على طمس لمعالم الروعة والجمال في “ارميمين” بعد أن تسبب بناء السجن في إحداث كارثة طبيعية في حق الأرض نتيجة تجريفها وقلع الكثير من الأشجار والنباتات ، وترك بصمة حزن وقهر في النفوس ، فكيف مع هذا كله يمكن لرميمين أن تمنحنا حيوية ونشاط وتسلي عن بالنا وتمحي بأجوائها ضيقة نفوسنا وضجرنا طالما باتت في بناء السجن عاجزة وكسيرة ، وجميعنا يعلم بان فاقد الشيء لن يعطيه ، فكيف إذن ؟؟!
ارميمين يجب أن تكون محمية وان تكون منتجعا سياحيا ويجب أن تحظى بنصيب واسع من الدعم الحكومي في مجال دعم السياحة الداخلية ويجب أن يتم الاهتمام فيها لغايات أن تكون مشابهه لما هو عليه الوضع في سوريا الشقيقة مثلا ، طالما أن كل المقومات اللازمة موجودة فيها . من حيث الطبيعة الحرجية والمساحة وتوفر المياه والينابيع والأجواء أما أن يقام ببناء سجن فيها فهو كارثة ليست في حق المنطقة وحسب ، وليست في حق الطبيعة إنما هي كارثة في حق المواطن والوطن ، فللوطن حق علينا بتقدير إمكانياته ودعمها ، وللمواطن حق في الانتفاع بشكل قانوني ومشروع بالكامل بخيرات ومقدرات وطنه فارميمين يجب فعلا إن تكون منتجع سياحي ينشده المواطن الذي أنهكه عناء الحياة وظروفها للحظي براحة واسترخاء لا أن تكون ارميمين هي منطقة ينشدها أصحاب السوابق والمجرمين وربما سيضم السجن من تطاول على مدخرات هذا الوطن وشعبه وأمنه . فالمواطن الوفي المخلص هو الأحق والأولى
سؤالي إلى صاحب القرار ببناء السجن : هل قمت بزيارة المكان ؟
إذا كان الجواب نعم : فهي مأساة بأن يتم اختيار موقع حضاري لبناء السجن بدل استغلاله سياحيا ليعود خيره على الوطن والشعب حاضرا ومستقبلا.
أما إذا كان الجواب لا : فيؤسفني أن أقول بأنها مأساة اكبر .

المحامي خلدون محمد الرواشدة
[email protected]