0020
0020
previous arrow
next arrow

اليوم الاوّل للمعلّم الجديد

  
 
   
كان على المعلّم الجديد , الذي تمّ تعيينه في القرية الجنوبيّة البعيدة عن بلدته التي تقع في اقصى الشمال , ان يستعد ليومه الدراسي الاول , بعد ان ركب اربع وسائل نقل للوصول الى بلدة صغيرة فيها مكان عمله الاوّل , حدده له مدير التربية , وهو في مدرسة صغيرة ليست اكثر من ثلاث غرف , في قرية جنوبية وادعه , قليلة عدد السكان , وقليلة عدد الطلاب الدارسين فيها, وهم في صفيّن مجمعيّن , من الاول الى الثالث ومن الرابع الى السادس , ذكورا واناثا , وقد كان بعد رحلته الطويلة , متعبا جدا , لدرجة انه لم يدر كيف نام في الغرفة الثالثة التي هي ادارة للمدرسة ايضا .
وقف امام باب الغرفة ينظر الى دور القرية القليلة , والى الطلبة الذين اتوا تقريبا مع بعضهم , وهم ينظرون اليه , الى المعلّم الجديد الذي سيبدأ معهم رحلة دراسيّة لن تطول كما تعودوا كلّ سنة , لأنه سينتقل من مدرستهم الى مكان آخر في نهاية السنه , وليتركهم مع مدرس وحيد من أبناء قريتهم , وعليهم بعد ان ينهوا الصف السادس ان ينتقلوا الى القرية المجاورة التي فيها مدرسة بعدد صفوف اكثر وعلى معظم الاناث ان يتركن الدراسة ويجلسن في البيوت , يرعين شؤون اهلهن ومن ثمّ أزواجهن وهو عمل لا شكّ جليل .
كان على المعلّم الجديد في الحصة الاولى أن يتعرّف على طلبته , سألهم عن اسمائهم وأسماء آبائهم , عن أحوالهم , وظروف معيشتهم , كانوا قليلي الكلام ويخجلون من الاجابة كما بدا له , وعندما سألهم هل تحبّون المدرسة , لم يجيبوا , وكان عليه هو أن يجيب على سؤال أحدهم , هل ستبقى يا استاذ الى السنة القادمة , لم يستطع الاجابة , فمن الذي يرغب في أن يدرّس في هذه القرية النائية , ولكنه أجاب , نعم , اذا ساعدتموني على ذلك , وان كنتم من الطلبة المجتهدين المحبين للمدرسة , واذا انتبهتم لشرحي وحضّرتم الدروس في البيت , اذا استمعتم لنصيحتي فقد يصبح منكم من يذهب للجامعة ويعود الى هنا , ليصبح مدرّس في هذه المدرسة, أو طبيبا في المركز الصحي أو مهندسا زراعيا يخدم ابناء بلدته .
اتبّع المدرّس معهم اسلوبا يحببهم في الدراسة والمدرسة , وكان الدرس الاول حبّ الوطن , بسّط لهم الدروس , وركّز على النشاطات , أحبّه الطلبة وأهاليهم , وأصبح مع مرور الايام يعرفهم واحدا واحدا , ويعرف همومهم البسيطة وشكواهم ,وأخذوا يشركونه في قضاياهم ,وعقد العزم على ان لا يتقدّم بطلب للنقل من المدرسة وبقي فيها سنين عديدة , فقد احبّ الطلبة واهاليهم وأحبّوه .