0020
0020
previous arrow
next arrow

امتهان التسول

  
كثير ما كتب عن التسول، بسبب تغلغله في زوايا المجتمع، فقد أصبح عبارة عن مهنة عند المتسولين، يكسبون منها الكثير من المال، ومهما اختلفت أعمارهم يقومون بالتسول، فيتربون ويعيشون عليه، ليصبح مهنة معتادة عندهم، وقريباً إلى الاحتراف عند أغلبهم، وخصوصاً أولئك الذين يتسولون منذ وقت طويل، فهم يمتلكون المهارات والطرق لجذب تعاطف الناس معهم، ويكونوا قادرين على تنشئة أفراد جدد وخصوصاً الأطفال ليتخذوا التسول كمهنة لهم، فهل الإنسان المحتاج يتسول؟، وهل المتسول فعلاً لم يجد مهنة أخرى غير التسول؟
يتواجد المتسولون غالباً في مجمعات الحافلات، وعلى الإشارات الضوئية، ويقومون بالتسول إما بطريقة مباشرة من خلال طلب النقود، أو بطريقة غير مباشرة من خلال بيع العلكة وبعض الحلويات، أو بالادعاء بوجود شخص مريض في عائلتهم، أو أنهم يجمعون تبرعات للأيتام، وكل هذه الطرق تقود إلى نتيجة واحدة، ألا وهي الحصول على المال، حتى لو القليل منه، وتوجد العديد من المشاهدات التي رأيتها لمجموعة من المتسولين، في إحدى مجمعات الحافلات، وابدأها من موقفٍ لفتاة صغيرة لا تتعدى السابعة من العمر تقريباً، تجلس على جانب أحد الطرق، ويقوم طفل أكبر منها بقليل، على ما أعتقد أنه أخوها، بضربها أمام الناس، لتبدأ بالبكاء وتتسول النقود منهم، وعندما يسير بعض الأشخاص من جانبها دون أن يعطوها شيء، يزيد بضربه لها ليرتفع صوت بكائها أكثر، وأيضاً تقوم سيدة منقبة ببيع العلكة، وتحاول الإقتراب من الرجال، وعندما يرفض رجل إعطاءها المال، تبدأ بالصراخ بوجهه قائلة ( ليش، ليش هيك، ليش زعلت )، وتحاول لفت انتباه الناس من حولها، وقصة طريفة لمتسولة كبيرة في السن، ترتدي دائماً اللباس ذاته صيفاً وشتاءً من أجل زيادة نسبة الشفقة عليها، تتوجه إلى الطالبات والطلاب الجامعيين، وتطلب منهم عشرة قروش ثمن خبز للأولاد، وبعد أن تنهي جولتها عليهم تكون جمعت أكثر من دينار ثمناً لخبز الأولاد!، وكثيرون هم المتسولون الذين يظهرون في مواقف وأماكن مختلفة، ويكون هدفهم الحصول على المال بأي طريقة كانت.
لقد كُتبتْ الكثير من المقالات عن هذه الظاهرة القديمة الحديثة، ولكن يظل من الواجب تكرار الكتابة عنها، وتسليط الضوء عليها، وتوجيه الأنظار إليها بشكل أكبر وأكثر شمولاً، ووضحت الأمثلة سابقة الذكر، واقعاً لشريحة من الناس، وجدوا في التسول مهنة يمتهنونها، بدلاً من البحث عن عمل يعملون به، ليصبحوا في النهاية، محترفين للتسول وخصوصاً عندما يبدأون بامتهانه في مراحل عمرية صغيرة، بسبب دفع بعض العائلات أولادهم إليه بطريقة غير مباشرة، من خلال بيع الحلويات والعلكة والكثير من الأشياء، من أجل الحصول على المال، وأيضاً قامت شريحة من العاطلين عن العمل، وذوي الأسبقيات الأمنية، بإمتهان التسول، لما وجدوا فيه من طريقة سهلة للحصول على المال.

توجد العديد من الإجراءات المقترحة، والتي من الممكن أن تساعد في التقليل من إنتشار ظاهرة التسول، بداية من تعاون الناس مع رجال الأمن العام، ومراقبي وزارة التنمية الإجتماعية، والتكثيف من حملات إلقاء القبض على المتسولين، في أماكن تجمعهم وخصوصاً في مجمعات الحافلات، وتغليظ وتشديد العقوبات الرادعة بحقهم، والقيام بإعادة تأهيل الأحداث منهم، وأيضاً إذا صادفتم متسولاً وقال لكم بأنه يريد مبلغاً من المال لعلاج أحد الأشخاص في عائلته، فأطلبوا منه الأوراق الطبية التي تثبت ذلك، ومن ثم أخبروه بأنكم تعرفون طبيباً في المستشفى المذكورة في الأوراق وسوف تذهبون إليها، وتقدمون المساعدة المناسبة، وفي حالة أخرى إذا طلب منكم متسول مبلغاً من المال؛ لأنه لم يبقَ معهُ مالٌ من أجل العودة إلى منزله، فقولوا له بأنكم متوجهون إلى المنطقة التي يوجد فيها منزله، وبإمكانه مرافقتكم في الحافلة التي ستذهبون بها، وفي كلا الحالتين لو كان المتسول محتاجاً فعلاً لوافق على طلبكم، ولكنه من المؤكد لن يوافق؛ لأنه ببساطة يتذرع بالأمور سابقة الذكر، من أجل الحصول على المال فقط.
إن التسول ظاهرة خطيرة، موجودة منذ وقت طويل، وإن العمل على إيجاد طرق لتحجيم انتشارها في المجتمع، يساهم في التقليل من التأثير السلبي الناتج عنها، والذي سرق براءة الأطفال، عندما تم إجبارهم على التخلي عن طفولتهم وكرامتهم، مقابل مد أيديهم إلى الناس، لطلب المال منهم، بطرق أقرب إلى الشفقة والترجي، وسبب أيضاً بانتشار متسولين يمثلون على الناس بأنهم محتاجون، ولا علاقة لهم بالحاجة، ولكنهم يفضلون امتهان التسول، على العمل من أجل تدبير لقمة عيشهم، والمحتاج الحقيقي، يمتلك كرامة نفس، تمنعه من التذلل للناس بمد يده لهم، وكلما تم اتخاذ تدابير أكثر شدة وحزم مع المتسولين كافة، سيتم الوصول إلى علاج لهذه الظاهرة، فالعمل الشريف مهما كان نوعه أفضل من مد اليد إلى الآخرين.
مجد مالك خضر
[email protected]